بعد انتهاء أعضاء المجلس النيابي من تشكيل اللجان النوعية للمجلس تنطلق أولى مراحل العمل النيابي من خلال عرض برنامج عمل الحكومة للسنوات الأربع المقبلة على المجلس، ومن ثم تعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل في الفصل التشريعي وذلك لسببين؛ أولها أن البرنامج يرسم ملامح خطة عمل الحكومة للفترة القادمة من جانب، وثانيها أنه يرسم ملامح عمل المجلس النيابي من الناحيتين التشريعية والرقابية تجاه الحكومة من الجانب الآخر. وبناء عليه يمكن القول إن برنامج عمل الحكومة يمثل حجر الزاوية الذي تنهض من خلاله صلاحيات المجلس النيابي في تحريك أدواته الرقابية بمختلف أنواعها على أعمال السلطة التنفيذية، وهو البرنامج الذي يمثل ماهية خطط الحكومة وسياساتها ومشاريعها وأساليب عملها للسنوات الأربع المقبلة، ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن عرض برنامج عمل الحكومة على المجلس النيابي هو إحدى ثمار التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2012، فعززت من صلاحيات المجلس النيابي، ووسعت اختصاصاته الرقابية. فبموجب هذا التعديل أصبح من حق مجلس النواب مناقشة برنامج عمل الحكومة وإبداء رأيه فيه بالقبول أو الرفض، كما يملك حق اقتراح ادخال تعديلات على البرنامج إذا ما تراءى له ذلك بعد التشاور مع الحكومة قبل التصويت عليه. فمن جهة، تتولى السلطة التنفيذية اعداد برنامج عملها وعرضه على أعضاء مجلس النواب، بينما الأخير يتولى مهمة المناقشة والإقرار وفقًا للصلاحيات الممنوحة له في الدستور، وتحديداً في المادة (46) منه، أما عن المسار الإجرائي بشأن عرض برنامج عمل الحكومة على مجلس النواب والآثار القانونية المترتبة عليه فقد بينت الفقرة الثانية من المادة (46) من الدستور هذه المسألة وذلك بالتفصيل الآتي. حيث يقدم رئيس مجلس الوزراء خلال ثلاثين يومًا من أدائه اليمين القانونية أمام جلالة الملك برنامج وزارته إلى مجلس النواب، الذي بدوره يصدر قراره في هذا الشأن بأغلبية أعضائه خلال ثلاثين يومًا إما بالموافقة على البرنامج وإما رفضه، أما في حال رفض المجلس النيابي البرنامج فتقوم الحكومة بإعادة تقديمه إلى المجلس بعد إجراء ما تراه من تعديلات، وذلك كله في مدة لا تتجاوز الواحد والعشرين يومًا من تاريخ الرفض. فإذا أصر مجلس النواب على رفض البرنامج للمرة الثانية -بأغلبية ثلثي أعضائه- خلال مدة واحد وعشرين يومًا من تاريخ تقديمه في المرة الثانية قَبِل الملك استقالة الوزارة وتشكل وزارة جديدة، وإذا لم يقر مجلس النواب برنامج الوزارة الجديدة بذات الإجراءات والمدد السابقة كان للملك خيار حل مجلس النواب بأمر ملكي أو قبول استقالة الوزارة وتشكيل وزارة جديدة. أما بخصوص المدد المذكورة في المادة (46) من الدستور، إن كانت مدة تنظيمية أو مدة سقوط، فقد بينت الفقرة الثانية من ذات المادة أن مضي المدد المذكورة دون أن يتخذ مجلس النواب قرارًا صريحًا بالموافقة عليه أو رفضه يعد قبولاً ضمنيًا للبرنامج، ومن ثم تعتبر مدة سقوط وليست مدة تنظيمية، وبناء عليه يسقط حق المجلس النيابي في التصويت على البرنامج بعد مضي المدد المذكورة. وباستقراء الأحكام الواردة في المادة (46) من الدستور يلاحظ أن المشرع الدستوري البحريني -ونحن نشاطره الرأي– قد انتهج نهجًا سليمًا حين فرَّق بين المدد والأغلبية المطلوبة لرفض برنامج عمل الحكومة في المرة الثانية عن المرة الأولى، حيث قلل المدة إلى (21) يوما في المرة الثانية بعدما كانت المدة المحددة في المرة الأولى (30) يومًا. كما تشدد في الأغلبية المطلوبة لرفض برنامج عمل الحكومة أيضًا، ففي حين اشترط رفض أغلبية أعضاء المجلس للبرنامج في المرة الأولى، نجد أنه اشترط رفض أغلبية ثلثي الأعضاء في المرة الثانية. ومن زاوية أخرى، لا بد من بيان أن نص المادة (42) الفقرة (ج) من الدستور التي تطلبت أخذ رأي كل من رئيسي مجلسي الشورى والنواب ورئيس المحكمة الدستورية قبل حل مجلس النواب لا يمكن اعمالها في حال تطلب الأمر حل المجلس النيابي وفقاً للإجراءات التي أشرنا إليها أعلاه بشأن المادة (46) من الدستور، إذ إن تطبيق نص المادة (42) من الدستور ينسحب إلى الحالات التي يحصل فيها خلاف بين حكومة حازت ثقة المجلس النيابي ثم اختلفت معه لاحقًا، وبناء عليه فإن تطبيق إجراءات حل المجلس النيابي وفقاً للمادة (46) يخضع لتقدير شخصي من جلالة الملك. دكتوراه فـي القانون العام
مشاركة :