لم يكن عاماً عادياً هذا الذي لفظ أنفاسه الأخيرة البارحة، بل كان عاماً مفصلياً للسعودية والمنطقة والعالم أجمع، سيتذكره الناس بالكثير من الأحداث التي ألهبته أو أبهجته، بالتغييرات العميقة التي سيكون لها بالغ الأثر في مستقبل المنطقة والعالم. لدى الكثير، كان هذا العام غصة، بصعوبة ابتلع الناس أيامه المثقلة بالتحديات والمشاق، كانت بؤر من الفوضى والاقتتال تغلي وتضطرب في العالم، سيولة الأحداث التي تجري بجنون تزيد من ضياع المنطق وشتات الاهتداء إلى سبيل الخروج من النفق. لم يكن عاماً شاذاً تماماً عن ذلك الناظم الزمني الذي عرفته المنطقة منذ أعملت معاول الهدم فيها عام ٢٠١١، بل كان عاماً ينتمي إلى هذه الحقبة الجنونية من الأحداث، فصلاً من فصولها الرهيبة، يقلص من فرص التفاؤل، ويشرع أبواب الخوف والقلق والعجز عن إبداء مقاومة لإنقاذ الواقع. وعلى رغم هذا المحيط القاتم من السوداوية، كانت بعض الجغرافيات العربية تنبض بالأمل، تكابد عرى التخلف والفوضى، لتنتشل الإقليم المنهك من وهدة الانهيار إلى علياء التقدم والتنمية وبناء الإنسان. كان عام السعودية الجديدة، الزاهرة، الدائبة في سعيها نحو مرافئ المستقبل السعيد والمختلف، كانت الرياض في القلب من سلسلة الأحداث التي جرت خلال عام ٢٠١٨، محط الأنظار، ملتقى القمم والسياسات، ومصنعاً كبيراً تشع منه الفرص للاستثمار من أجل المستقبل، ومختبراً ضخماً لرؤية ما ينتظر المنطقة من تغيير كبير. تكاد السعودية بقيادتها الجديدة وشعبها العظيم، بحسب ما وصفه عراب المرحلة الأمير محمد بن سلمان، يكونان العنوان العريض للعام الفائت، إذ طوت فيه الرياض الكثير من الملفات العالقة، وعبرت بالواقع إلى مرحلة جديدة تماماً تكون فيه السعودية رائدة مرحلة ما بعد الفوضى إلى مصاف الاستقرار والتنمية. ورش صناعة المستقبل المأمول أطلقت صافراتها في بقع مختلفة من الجغرافيا السعودية، في المنطقة الشرقية بوابة الطاقة الجديدة، إلى شمال المملكة حيث النقلة النوعية في التعدين، وفرص السياحة العالمية والاستثمار التقني التي تتحفز بثقة على سواحل البحر الأحمر، وقاطرة المشاريع العملاقة في مجالات مختلفة أعلنت عنها السعودية كبنى ركيزية في خلق مناخ «أوروبا الجديدة» للعالم الجديد، حيث تستقر الأمنيات وتنمو الأحلام العريضة. لا يزال المستقبل مكتنزاً على المفاجآت غير المتوقعة، وتشحذ السعودية استعداداً لذلك، مفردات المواجهة الجديدة، الأحلام الكبيرة ستبتلع المشكلات الصغيرة، وخير سبيل للدفاع ضد عاديات الفوضى والانفلات هو نحت المشاريع الناهضة من أجل المستقبل، ورصّها بهدوء وثقة في خط المواجهة الأول. على كل الجبهات تغرز السعودية حرابها الجاهزة للمواجهة، يسافر ولي العهد السعودي إلى العواصم العربية والعالمية لتطوير علاقات التفاهم بناء على شكل السعودية الجديد في العمل، على الجميع أن ينتظم في هذه القافلة التي توقف نزيف المنطقة، وتضع مصل التنمية على جروح التخلف التي أوجعت العرب واستغرقت أجيالهم.
مشاركة :