محنة الأستاذ/ ة الجامعية.. أن الشهادات الأكاديمية العالية، هي وثائق بأن حامليها قد تحصلوا على قدر ما من المعرفة المتخصصة، وأصبح لديهم القدرة على البحث واكتساب المعرفة باستقلالية. ولكنها لا تضمن وجود الروح المبتكرة، المتطورة، البناءة، الفنانة التي تحتاجها عملية التعليم. وهنا تجلت محنة الأستاذة الجامعية. تحصلت على مؤهلات أكاديمية عالية، ولكنها هي أيضاً حصيلة تجارب حياتية وثقافية ونفسية قد تؤدي بها إلى التأطر والجمود الفكري والنفسي. والمأمول كان أن تنجح مؤهلاتها الأكاديمة في إعادة تأهيلها وإعدادها لعملية التعليم؛ بالقدرة على تحويل الإحباط إلى طاقة إيجابية فعالة، وإكسابها درجة عالية من المرونة، وقدر هائل من الصبر، والقدرة المستدامة على التحفيز الذاتي والجماعي. إن الطالبة التي تركن لدور المتلقي فقط معذورة، فقد تدربت على ذلك منذ طفولتها وفي مراحل دراسية طويلة، وحتى دخولها الجامعة. ولكن لا أعذار لأستاذة جامعية تفتقر لمنظور تنويري لعملية التعليم فتركن لدور المُلقن. لذلك فإن برامج التطوير لن تحقق الأهداف المرجوة منها إلا بعد تحرر سيكولوجي معرفي شامل، من الجمود الفكري في الرؤية للذات وللآخر؛ وتطهير جذري للبيئة التعليمية من رواسب أعاقت الفكر التوعوي المستنير لدى المعلم باعتباره الطرف المحوري في عملية التعليم. والمأمول: أن نحول كل قاعة درس إلى بيئة حية ممتعة للتعلم. أن نحول عملية التعلم إلى موقف للتفاعل الاجتماعي يتدرب فيه الطالب على التعلم الذاتي تارة والتعلم التعاوني تارة أخرى. أن نخطط للتعليم كعملية حياتية مستمرة، متنوعة المصادر، لا تبدأ بالمدرسة وتنتهي بالشهادة.أن نوفر للمعلم والطالب بيئة غنية بإمكاناتها الثقافية والمعرفية محفزة للإبداع والابتكار وتطوير المهارات. أدرك تماماً أن النصوص الفكرية تتشكل في عقولنا انبثاقا من نسق ثقافي مجتمعي؛ إن لم يتأهل المجتمع لاحتواء الفكر التنويري بهذا الاتجاه، سيطال العقم عمليات التعليم وتجهض أي محاولة للتطوير. وعلني أقتبس من أستاذنا الكبير محمد العلي: "على الأفراد المعلمين في كل حقل أن يقوموا على (تربية الأمل) وفتح نوافذ للوعي في الستار الحديد المسوّر لذهنية المجتمع."
مشاركة :