كتب- مصطفى عبد المنعم: أكّد رائد حركة التوثيق المسرحيّ الفنان عبد الله أحمد على أنّه لن تنظرَ إلينا الأجيالُ القادمةُ إن لم يكن لدينا تاريخٌ، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية التوثيق كي يسيرَ الشباب على هدي ونهج الأوّلين، ويتعلموا منه ويبنوا عليه أيضاً، وأشار في حوار خاص لـ الراية إلى أنه تقدّم بطلب لاستعادة وحدة التوثيق بوزارة الثقافة والرياضة والتي تمّ تعطيل عملها منذ ثماني سنوات دون سبب واضح، لافتاً إلى خشيته من ضياع المواد الأرشيفية التي تمّ جمعها على مدار عقود طويلة، مُؤكّداً أن دولة قطر كانت أفضل دولة عربية في مجال التوثيق الفني، وذلك من خلال منهجية فريدة ونادرة كان يتبعها مؤسّس وحدة التوثيق بوزارة الثقافة ومؤسس مكتبة الإذاعة الثقافية في بداية السبعينيات من القرن الماضي.. ولمعرفة أهمية التوثيق وضرورة عودة هذه الوحدة للعمل كان لنا هذا اللقاء مع الفنان عبد الله أحمد. • في البداية هل تقدّم لمحة سريعة عن بداياتك وإسهاماتك في التوثيق؟ -- أنا حامل للهمّ الثقافيّ، وهذا طبعي منذ الصغر، وقد كنت من مؤسّسي فرقة المسرح القطري منذ عام 1972، واستمررت في الفرقة حتى صار الدمج في منتصف التسعينيات، كما أسست مكتبة الإذاعة الثقافية أيضاً عام 1973، ووعيت مبكراً لأهمية الاحتفاظ بهذه النصوص، وهذه العروض وما يُكتب عنها سواء الصور أو الأفلام أو المقالات في الجرائد، وقرّرت أن أجمعها في ملف واحد لكل عمل وتحفظ. • أين موقعنا الآن من خريطة التوثيق الفني بالمنطقة؟ -- بالطبع للتوثيق أهمية كبيرة في حفظ تاريخ الأمم في كافة المجالات وليس فقط في الفنون، ولكن نحن في قطر ومنذ بداية السبعينيات كان لدينا منهجية في أرشفة واقعنا الفني والمسرحي آنذاك جعلتنا في مصافّ البلدان التي تهتم بتوثيق أعمالها، وكنا بالفعل أفضل توثيق في العالم العربي، فقد كنت أحتفظ بكل شيء عن العمل المسرحيّ، بداية من النص والفيديو إذا كان متاحاً وإعلانات العمل نفسه، وكذلك كنت أسجل عدد ليالي العرض وأيضاً أعداد الجمهور الذي يحضر لكل عمل، وذلك من خلال شباك التذاكر، وحصر الجمهور الموجود في كل عرض حتى الإعلانات التي تنشر بالصحف عن الأعمال كنت أحتفظ بها، ولو سافرنا بعمل إلى الخارج كنت أحرص على عمل كل هذا أيضاً حتى لو لم أسافر مع فريق العمل كنت أحرص على المُتابعة للحصول على كافّة المعلومات. • ولماذا تركت عملك في هذه الوحدة؟ -- لم أتركه طواعية أبداً.. بل على العكس أنا دائماً أقول لهم: هذا العمل يحتاجني وأنا أحتاجه!، وقلت أيضاً إنني عندما أترك هذا العمل أو يتم إجباري على تركه فسوف يضيع هذا الجهد الكبير الذي أفنينا فيه سنوات طوالاً وسنخسر إرثاً هاماً جداً جمعته خلال عقود طويلة، وأبلغت جميع المسؤولين آنذاك، ولكن للأسف أجبروني على ترك عملي، وهذا الكلام منذ 8 سنوات، وحتى يومنا هذا أنا لا أعلم ما الذي جرى لوحدة التوثيق التي تحتوي على صور وأسطوانات مدمجة تحوي ذاكرتنا الثقافية المسرحية، وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك ضرر قد أصاب هذه الوحدة، وأنا كنت قد يئست من إمكانية استعادة وظيفة وعمل هذه الوحدة مرة أخرى حتى تلقيت اتّصالاً من مدير الثقافة في وزارة الثقافة والرياضة وطلب لقائي لبحث إمكانية عودتها مرة أخرى، وهو الأمر الذي أثلج صدري وأتمنّى أن أجد كل شيء كما هو، وأنا اليوم متفائل بوجود هذا الوزير الذي يحرص على العناية بالشأن الثقافي والفني بشكل عملي، وهذا المدير الذي بحث وسأل واستدعاني من أجل الوقوف على حقيقة الأمر وأدرك أهمية هذه الوحدة. • لماذا لم تدرك الإدارة السابقة أهمية وحدة التوثيق في الوزارة؟ -- عندما كان سنان المسلماني رئيساً لقسم المسرح كان مصرّاً أن يمنحني أكبر غرفة في القسم لتكون مخصصة كوحدة توثيق، وكنا كما ذكرت نجمع كل شيء عن أي عمل يتمّ عرضه بداية من أسماء فريق العمل حتى عدد العروض وأعداد الجماهير التي حضرت للعمل، وأيضاً البوسترات الدعائية للعمل، فضلاً عن صور لجميع ما تمّ تقديمه من أعمال مسرحية في قطر، وأيضاً الأعمال القطرية التي تشارك في مهرجانات خارجية، ولكن للأسف فوجئت بالمسؤولين يطلبون منّي الرحيل بحجة بلوغي سنّ التقاعد، وهو الأمر الذي فاجأني، فهذا العمل لن يستمرّ بدوني وأنا لا أجيد عملاً بقدر إجادتي لهذا العمل، وللأسف لم يتفهموا وأحالوني للتقاعد وأضاعوا ملف خدمتي ولم أتسلم مكافأة نهاية الخدمة بعد كل هذه السنوات، ولكن كل هذا لا يهم مقابل أن تعود وحدة التوثيق مرة أخرى لعملها مع المحافظة على كنوز التوثيق التي تم جمعها خلال عقود ماضية. • وهل لديك خُطط لتطوير هذه الوحدة في حال عودتها؟ -- بالفعل أنا كنت تقدمت بمقترح لتحويل وحدة التوثيق إلى وحدة إلكترونية وتجميع المعلومات والصور والفيديوهات التي بحوزتنا وتحويلها إلى إرشيف إلكتروني، وطلبت إمدادي وقت أن كنت في الخدمة بموظفين لديهم خبرة في تحويل المواد الموجودة إلى الكمبيوتر لتوثيقها ولكن لم يتم الإصغاء لهذا المطلب البسيط، وأنا لدي كافة التفاصيل والمعلومات من أجل مشروع الحفاظ على كل ما لدينا من مواد أرشيفية للمسرح القطري في مجال التمثيل والإضاءة والديكور والصوت وغيرها. • هل لديك إستراتيجية لتعليم جيل جديد يكمل المسيرة؟ -- هذا ما أسعى إليه لأنني قلق بشكل كبير على كل ما لدينا من مواد أرشيفية، ولابدّ من تسليم الراية لهذا الجيل، ولكن أيضاً أتمنى أن يكون هناك رغبة لدى أبنائنا من الجيل الحالي للحفاظ على أرشيفنا ليس فقط في مجال المسرح أو الفنون وإنما في كافة المجالات، لأن التوثيق كما ذكرنا هو الذاكرة التي تحفظ الماضي والحاضر لتكون بمثابة جسر يعبر من خلاله أبناؤنا نحو المستقبل، وأتمنّى أن يكون لدينا مشروع متكامل على مُستوى الدولة وليس وزارة الثقافة فقط، فبعد عشرات السنين ستتحوّل وحدات التوثيق هذه إلى متحف يمكن زيارته والاستفادة منه في عمليات البحث العلمي، وكما ذكرت سابقاً.. ماذا سنقول لأبنائنا لو سألونا، ونحن جيل عاصر البدايات وشارك في التأسيس لكثير من الكيانات، لهذا يجب علينا استثمار طاقات هذا الجيل لتوثيق تراثنا في كافة المجالات. • وهل مشروعك سيقتصر على الأرشيف المسرحيّ فقط؟ -- بالطبع لا.. وأنا عندما كتبت رسالتي التي تحتوي على مشروعي وعلى طلب عودة وحدة التوثيق كتبت أننا يجب أن نعيد هذه الوحدة لتوثيق أعمالنا المسرحية والفنون الشعبية والتشكيلية وكافة التراث، وكتبت أننا بحاجة لتوثيق مركزي لكافة الفنون، لذلك أنا أطالب وزارة الثقافة والرياضة وإدارة الثقافة بضرورة الاهتمام بهذا المطلب، وهو إعادة إحياء وحدة التوثيق، وإن هذا التوثيق عندما يكون صادراً من جهة رسمية سيمنع أي تلاعب في التاريخ الفني وسيمنع الاختلاف الذي قد ينجم أحياناً حول أحقية أشخاص بتأسيس كيان ما من أشخاص آخرين، حيث إن كل شيء سيكون موثقاً من جهة رسمية، ويكفي أن وزارة الثقافة تقوم بعشرات الأنشطة بل المئات في كل عام، ومنها فعاليات خارجية وأسابيع ثقافية خارجية، وللأسف هناك العديد من الفعاليات لم يتم توثيقها، أما لو استعدنا عمل وحدة التوثيق المركزية هذه سنعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه ونؤرشف كافّة أنشطة الوزارة. • هل تمتلك مواد أرشيفية خاصة في مكتبتك الشخصية؟ -- أنا وضعت كل شيء أملكه وصوري الخاصة في هذه الوحدة للنفع العام، ولذلك أنا كلي قلق أن تكون هذه المواد الأرشيفية قد تعرّضت للتلف أو الضياع، فهناك صور لعروض تمّ عرضها خارج قطر، وكنت أدفع ثمنها لمصوّرين من تلك الدول من حسابي الخاص من أجل إثراء الأرشيف الفني القطري بهذه الصور.
مشاركة :