يتعاظم دور مهرجان الشيخ زايد التراثي يوماً بعد يوم، وما هذه الحشود الجماهيرية التي تتوافد بحماسة شديدة على فعالياته وبرامجه ومشاريعه التنموية، إلا صورة أثيرة من صور الحدث الذي يدرك أهمية تمازج الثقافات في تشكيل هوية الأمم وقيمها، معبّراً في ذات الوقت عن رغبة حقيقية مشتركة في تعزيز التفاعل بين الثقافات العالمية المختلفة، لتحقيق أجمل مفاهيم التعايش والتّسامح بين الشعوب على أسس إنسانية مشتركة، ولاسيما أننا نعيش «عام التسامح 2019» الذي يكرس ويؤكد قيمة التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة بما تنعكس آثاره الإيجابية على المجتمع بصورة عامة. ومن هنا نعبر إلى بوابة «أوكرانيا» بلد السحر والجمال والطبيعة الخلابة، وجناحها في مهرجان الشيخ زايد التراثي، الممتلئ فرحاً وحيوية ونشاطاً، ومعروضات وفنوناً وأزياء تقليدية وابتسامات تأخذك في رحلة ممتعة للعين والوجدان. أطعمة صحية أحد أكثر المعروضات تميزاً ليس فقط على مستوى الجناح، بل على مستوى المهرجان بأكمله، هو عرض جديد للفواكه المجففة على شكل شرائح، في ركن جميل تديره السيدة «ناتاليا سيفاتينكو»، خبيرة في التغذية الصحية، وقالت إن هذه التشكيلة من الفواكه المصنعة طبيعياً من التفاح والفراولة والليمون والكمثرى والخوخ والجزر وجوز الهند، وغيرها، مخصصة للأشخاص الباحثين عن إنقاص أوزانهم وهي خالية من السّكر تماماً، ولدي الكثير في هذا السياق مثل السمك المجفف، الذي يدخل في إطار الصناعات الوطنية الصغيرة، وأيضاً وجبات سريعة طبيعية أقوم بإعدادها لتلاميذ المدارس والرياضيين والعاملين في المكاتب، للمساهمة في بناء صحة جيدة للناس من خلال تقديم غذاء طبيعي ذي مخزون جيد من الفيتامينات. أما الأكثر رواجاً في ركن ناتاليا، فيتمثل في فطيرة التفاح بالزنجبيل والقمح الصافي، وهي قليلة السعرات الحرارية وتحارب الالتهابات، ويلفت الانتباه ما تقوم به ناتاليا من صناعة قطع من الشوكولاتة على هيئة أدوات منزلية، أو أدوات خاصة بمهنة النجارة والحدادة وغيرهما، والتي تجد إقبالاً واسعاً من جانب الأطفال، وترى في النهاية أن اختيار أغذية صحية أسهل بكثير مما قد يتصوره البعض، وبإمكان المرء أن يحدث فرقاً كبيراً في نظامه الغذائي بتغيير عدد قليل من نمط وعادات الطعام. أزياء تقليدية «جوليا غلوس» مصممة أزياء تقليدية، تعرض في ركنها ثوباً نسائياً تقليدياً ساحراً من القطن من إبداعها، حيث إنها تملك محلاً خاصاً للتصميم في العاصمة كييف، وأشارت إلى النموذج الذي تعرضه بأشكال وألوان عديدة، ويتم إنجازه بطريقة يدوية خالصة، وقالت: يملك الزيّ الشعبي الأوكراني معنىً تاريخياً وفنياً، فمنذ قديم الزمان وحتى الوقت الحاضر تميز هذا الزيّ كقيمة اجتماعية ورسمية، حتى إنه انعكس على نظرة ونفسية الشعب الأوكراني، وهذه الظاهرة تأخذ حيزاً دائماً في الحضارات الوطنية، فتطور الزيّ الأوكراني الذي له صلة وثيقة بتطور الحضارات الأخرى، حيث تكشف الملابس التقليدية عن الجذور المتأصلة في تاريخ الشعب الأوكراني المرتبطة بأوائل الفترة السلافونية وأكبر المنجزات الحضارية لكييف الروسية، ولجمال وروعة هذا الثوب فهو يجذب عدداً كبيراً من النساء اللواتي يبدين إعجابهن الشديد بدقة تصميمه، وجودته العالية، ورومانسيته على مستوى التطريزات والحياكة والأناقة. فطيرة «زيفير» يقولون إن التّفاح الأوكراني من أجود أنواع التفاح في العالم، وجودته هذه مرتبطة بكونه المحارب الأول لكوليسترول الدم، فيما تقول «أوكسانا دوب» التي تدير ركناً مخصصاً لعرض فطيرة التفاح والبيض واسمها «زيفير». إن بضاعتها التي تقوم بإعدادها هي بنفسها أمام الجمهور، رائجة بشكل لافت، ومنها أنواع عديدة من الخليط الممزوج بالليمون أو الشوكولاتة المعتدلة السكر. وتسعد «أوكسانا دوب»، التي تقول إن كلمة دوب تعني بالعربية «الشجرة القوية»، وهي تقدم لزوار ركنها العديد من المنتجات الوطنية مثل الكعك، ومقرمشات السمسم المصنوعة من دقيق القمح الصافي والعسل. ويلفت انتباهك تلك الأدوات الجميلة التي تعرضها أوكسانا وتستخدم في إعداد الشاي الأوكراني الطازج، ومنها ذلك الإبريق الجميل الموشى بزخارف محلية رائعة، وتقدم منه نوعاً من «الشاي الأبيض»، وهو مشروب ذو لون فاتح وطعم خفيف، ولإنتاجه، كما ذكرت، يتم قطف الوريقات الصغيرة والبراعم قبل تفتحها لشجرة الشاي، ويتم تجفيفها بطريقة طبيعية عن طريق أشعة الشمس، وقد اكتسب اسمه من الطبقة الفضية المحيطة بالبراعم، والتي تتحول إلى اللون الأبيض بعد تجفيفها. شعار مهرجان زايد هنا ورشة استثنائية تقودها الفنانة التشكيلية «إيلانا مانجوس»، وأطلقت عليها اسم «ركن الذكريات»، وأشارت إلى سعادتها البالغة في ركنها المنزوي الذي تقوم من خلاله برسم لوحات نادرة بألوان الأكرليك، وهي تمثل شخصيات سياسية وثقافية، ومن ذلك لوحة لواحد من أشهر الأدباء في تاريخ الأمة الأوكرانية الشاعر والرسام «تاراس شيفتشينكو» رائد النهضة الوطنية، ولوحة للأديب «إيفان كوتليار يفسكي» أب الأدب باللغة العامية الأوكرانية. وفي ورشة إيلانا عالم متعدد الوجوه والصور، بحيث أنك تفقد تركيزك من كثرة ما تنجزه بإبداع ورشاقة، من تصميم الروزنامات والرسم على الخشب، وعرض بديع لأنواع عديدة من الأقلام من خشب الزان، وكيف تقوم باستخدام الحبر الأسود في كتابة الرسائل أو الموضوعات ذات الصلة بالفنون والآداب والثقافة، فيما تقوم صديقتها «إيليا فيدفيلوتكس» في ذات الورشة بصناعة عملات معدنية إماراتية، من فئة الدرهم، وعليها رسم يمثل صورة الأب المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه. أما الإنجاز الأكبر الذي تعتز به على وجه الخصوص، فهو تصميم عملة خاصة بمهرجان الشيخ زايد التراثي، حيث يبدو الشعار وصورة للشيخ زايد، تقديراً منها لمسيرة المهرجان ودوره في بناء تمازج ثقافي عالمي مستنير، لكن المهم في الأمر أن إيليا، أحضرت معها آلة تقليدية لسك العملات المعدنية، وتقدم للجمهور تجربة فريدة في مجال هذه الصناعة التقليدية الوطنية. المطبخ الأوكراني الحساء الأوكراني «بورش» المصنوع من البنجر والملفوف والفطر أو اللحوم، تجده في ركن شعبي صغير في الجناح، وتقوم على إدارته نسوة من الجدات الخبيرات بهذا النوع من الطهي، فيما تجد عديد الأطباق المحلية، التي تجد رواداً لها من مختلف الجنسيات، ومن الأطباق التقليدية الشهيرة في ثقافة الطعام الأوكرانية طبق يسمى «فارنيكي»، وهو عبارة عن (زلابية مغلية مع الفطر والبطاطا ومخلل الملفوف والجبن أو الكرز). وينتعش المطبخ الأوكراني بفضل كون هذا البلد زراعياً بامتياز، وبفضل إنتاج القمح يشار إلى أوكرانيا باسم «سلة الخبز في أوروبا»، فما يقرب من 65 في المئة من تربتها هي من «الأرض السوداء» الخصبة، كما أنها غنية بالموارد المعدنية، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة، وهناك 37.5 مليون منهم من العرق الأوكراني، وقد تحولت أوكرانيا كلها إلى وجهة سياحية بارزة على المستوى الدولي في السنوات الأخيرة، جعلتها تحتل المركز الثامن في العالم من ناحية عدد السياح.
مشاركة :