رواشين جدة تاريخ مطل على حواريها القديمة، طراز عمراني قديم اشتهرت به عروس البحر الاحمر، مزيج من الثقافة في المكملات الخشبية للأبواب والشبابيك والرواشين لبيوت جدة القديمة كافة، تراث عمراني وفنون عتيقة في المساجد والزوايا والأبواب، زخارف ونقوش نبحث في ثناياها وتشكيلاتها وخصائصها عن مكامن الجمال في الفنون الإسلامية القديمة. إنه إرث تراثي تداخلت فيه النقوش بين المسطحات في المباني وبين مكملاتها الخشبية. تارة تجد لوحات فنية على أبواب ورواشين تلك المدينة الحالمة، وتارة أخرى تجدها في شوارعها وأزقتها الضيقة، لتعطيك إحساسا بعبق الزمان والمكان. تداخل يجعلنا نتساءل عن هذا الإرث ويدفعنا للمحافظة عليه قبل الاندثار، رغم محاولات جادة من هيئة السياحة في المملكة، إلا أنه يقع على عاتقنا الكثير لإعادة تلك الفنون لحيويتها قبل اندثارها. أبواب وشبابيك ورواشين شاهدة على قرون طويلة من تاريخ إسلامي عريق، رغم المدنية والحضارة والأبراج السكنية، لها طابع مميز ونماذج معمارية وجمال زخرفي أضفى على المكان روحانية وأكسبه هوية إسلامية جسدت قدرة الحرفي المسلم على الارتباط المعماري بالفن التشكيلي، فتجد لوحات تشكيلية متناثرة في جدة القديمة من صنع التاريخ الذي أطل علينا وأصبح سمة معمارية بارزة، حين امتزجت العمارة بثقافات وفنون عثمانية وفارسية، كونها بوابة للحرمين الشريفين ومر بها عدد كبير من زوار البيت العتيق باختلاف ثقافاتهم وفنونهم. إرث حضاري وطراز معماري فني أطلق عليه الكثير من المهتمين «الفن الحجازي» نسبة إلى الحجاز. إلا أن حاضر البناء المعماري الآن يشكو إغفال تلك الزخارف الإسلامية في منازلنا والبناء المعماري. عدد من التشكيلين السعوديين طالبوا بضرورة إعادة صياغة ذلك التراث الفني واستخدامه في العمارة والبناء والديكورات الداخلية من مكملات خشبية وغيرها. مصممة الديكور الفنانة أمل الزهراني أكدت لـ«عكاظ» أن جدة تاريخ وأصالة وحضارة قديمة حق علينا أن نحافظ على تراثها وأن نصونه وأن نعيد بناءه، مطالبة بتدريس ذلك الفن الجميل في المعاهد الفنية للرسم كونه إرثا تاريخيا يجب أن يتعرف عليه جيل اليوم وأن يطور ليلامس مكامن الجمال في المدينة. بينما دعا الفنان فهد خليف هيئة السياحة والتراث الوطني لتبني إقامة مشروع ضخم يضمن استمرار تلك الآثار بالاتفاق مع أمانة جدة، حتى لو عن طريق إجبار المولات الكبيرة بتطعيم واجهاتها بهذا الفن الأصيل ضمانا لاستمراره وإظهار مكامن الجمال فيه. النحات محمد الثقفي قال لـ«عكاظ»: «الرواشين» عرفت في عروس البحر الأحمر في أواخر القرن السادس الهجري حسب الكتب التاريخية، وأضحت طابعا مميزا لعمارة المدينة منذ منتصف القرن السابع الهجري، وتتميز «رواشين» جدة عن مرادفاتها في العالم الإسلامي بأنها الأكثر ارتفاعا والأكبر حجما، وهي تركب في صفوف متراصة، وكثيرا ما تمتد وتتواصل من الطابق الأرضي وحتى الأدوار العليا أو تمتد أفقيا حول الأدوار العليا، فتكاد تغطي واجهة المنزل بأكمله. ودعا الفنانين والفنانات لضرورة البحث في هذه الفنون الأصيلة وتطويرها. وقال: أنا على أتم الاستعداد لإقامة ورش فنية للتعريف بهذا الفن لشرائح المجتمع كافة، وعلى جمعيات الثقافة والفنون أن تقوم بدورها في التعريف بالتاريخ الفني لجدة القديمة، عن طريق عقد ورش فنية ودورات ومسابقات تشكيلية.. فما نجده اليوم من مسابقات بعيد كل البعد عن تاريخنا وأصالتنا المعمارية الفنية التي امتدت عدة قرون.
مشاركة :