تنسيق روسي- تركي لإنهاء ملف هيئة تحرير الشام

  • 1/6/2019
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

حان الوقت للتخلّص من هيئة تحرير الشام؛ هذا ما نتج عن زيارة الوفد التركي المكوّن من وزير الدفاع خلوصي أكار، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ورئيس هيئة الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان، إلى موسكو، نهاية العام الماضي. تتولى تركيا تقديم الدّعم، والإشراف على الفصائل التابعة لها، في الجبهة الوطنية للتحرير وفي درع الفرات أيضا، للقيام بمهمة إنهاء تواجد هيئة تحرير الشام في إدلب وريفها وريفي حماه الشمالي وحلب الغربي، فيما يتولّى الروس منع النظام السوري من الهجوم على شرق الفرات، أو إدلب ومحيطها، أو على منبج، حيث يحشد في ريفها، في قرية جب مخزوم والتايهة (16 كم جنوبا)، وفي بلدة العريمة على طريق الباب؛ وحيث أوقفت تركيا عملياتها ضدّ وحدات الحماية الكردية في منبج وشرق الفرات، ووجّهت فصائلها باتجاه الخلاص من هيئة تحرير الشام. استبَقت هيئة تحرير الشام القرار التركي بتصفيتها، بالهجوم على حركة نورالدين زنكي في ريف حلب الغربي، بذريعة عدم تسليم الزنكي لمتورطين في قتل أربعة عناصر من هيئة تحرير الشام. حركة الزنكي، التي تحظى بدعم أميركي، طلبت دعم فصائل الجيش الحرّ، فأتاها دعم خجول من فيلق الشام، ما مكّن هيئة تحرير الشام من السيطرة على بلدة دارة عزة الاستراتيجية وجبل بركات (ارتفاع 1000 متر)، المطلّ على عفرين وكامل الحدود مع تركيا، وعلى حلب الغربية في المنصورة وخان العسل. ودارة عزة تعتبر معبرا بين عفرين وفصائل درع الفرات، وسيطرة الهيئة عليها تعني الفصل التام بين الفصائل التابعة لتركيا، ما يضطر أنقرة للقبول بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام لتأمين العبور إلى نقاط المراقبة التابعة لها. بإيعاز تركي، بدأت معركة شاملة ضدّ هيئة تحرير الشام؛ الجبهة الوطنية للتحرير سيطرت على مدينة سراقب، وعلى ريف معرة النعمان بالكامل، حيث كانت للهيئة قوة كبيرة في تلمنس، وهناك معارك ضدّها في ريف حماه الشمالي وسهل الغاب، ومعارك قوية في جبل الزاوية، في حاس وكفرنبل، بقيادة أحرار الشام التابع للجبهة الوطنية للتحرير، فيمَا يبقى لهيئة تحرير الشام تواجد في جبل حارم وجسر الشغور. فصائل درع الفرات تحرّكت أيضا بحشد ضخم، لقتال هيئة تحرير الشام في الشمال، وتشن هجوما عليها من طرف دارة عزة الشمالي، لاسترجاعها، بعد انهيار فصائل نورالدين زنكي، بتواطؤ روسي تركي، لإضعاف الكتائب المدعومة أميركيا. يدعم القرار التركي بيانا أصدره المجلس الإسلامي السوري، الذي تأسّس في إسطنبول في 2014، برئاسة أسامة الرفاعي، حيث يدعو فصائل الجيش الحر إلى التوحّد لمواجهة ما سمّوه “بغي” هيئة تحرير الشام. وبالمثل أصدر مجلس شورى أهل العلم في الشام، والذي تدعمه تركيا أيضا، ويضم دعاة ومشايخ عرب، أصدر بيانا للوقوف ضدّ “بغي” وعدوان هيئة تحرير الشام. هيئة تحرير الشام مرفوضة محليا وإقليميا ومن فصائل الجيش الحر؛ فرغم أن غالبية عناصرها من السوريين، وقسم كبير من قادتها أيضا، لكنّها مارست التضييق على المدنيين في مناطق سيطرتها، وأقامت المحاكم الشرعية، واعتقلت ناشطين مدنيين ومقاتلين في الجيش الحر، كانوا في قيادات الثورة الأولى. انضم إليها عدد كبير من المقاتلين السوريين، لأسباب غير أيديولوجية، تتعلق بالحصول على الحماية والرواتب، وبسبب قدرتها على السيطرة على مدن ومقرات ومناطق واسعة. تزعّمت جبهة النصرة جيش الفتح لتحرير إدلب، ثم اختلفت مع حركة أحرار الشام، وانتهى الأمر باقتسام مناطق النفوذ بعد اقتتال دام. ورغم دعوات الفصائل، وحثّ المعارضة السياسية لها مرارا على سلوك الخطّ الوطني العام، إلا أن هيئة تحرير الشام رفضت المشاركة تحت لواء الجيش الحرّ، وآثرت إقامة حكمها الخاص، ولم ينفعْها ما قامت به من ترويج لنفسها، كإعلان انفصالها عن تنظيم القاعدة وتغيير اسمها، وإنشاء حكومة إنقاذ، والسيطرة على المجالس المحلية، ما جعلها تصطدم مع الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض؛ ولم يقف في حلفها إلا المهاجرون غير السوريين، كالحزب الإسلامي التركستاني وغيره. وقبل أيام أصدر القيادي في هيئة تحرير الشام أبواليقظان المصري فتوى بتحريم مشاركة فصائل الجيش الحر في عمليات شرق الفرات برعاية تركيّة. تعاملت كل من أنقرة وموسكو مع هيئة تحرير الشام كأمر واقع، وقامتا بالتنسيق معها مرارا، فتركيا أنشأت نقاط المراقبة في مناطق سيطرتها، فيما سلّمت هيئة تحرير الشام مناطق شرق سكة القطار إلى روسيا؛ لكنّ اتفاق المنطقة العازلة في سوتشي كان رسالة واضحة للهيئة بأنّ نهايتها اقتربت، ما جعلها تعمل على فرض نفسها كأمر واقع، لإجبار روسيا وتركيا على التفاوض معها، وتحسين شروطها. قرار انسحاب ترامب من سوريا، رغم إبطائه بعد عشرة أيام، حرّك الوضع السوري، حيث تسارع الحراك الدبلوماسي من كل الأطراف الفاعلة لترتيب الوضع شرقي الفرات ومنبج في حال تم الانسحاب. وتتلاقى المصالح التركية والروسية في ملفات عديدة حول سوريا، ما جعل الطرفان يتخذان القرار بتسوية وضع إدلب، عبر إنهاء هيئة تحرير الشام، والفصائل الجهادية التي على يمينها، وإنهاء الحالة الفصائلية، بجعلها تابعة كلياً لتركيا، وبالتالي فتح الطريقين الرئيسيين أم4 وأم5، في خطوة باتت ضرورية بالنسبة للدول الإقليمية التي قررت إعادة العلاقات مع النظام السوري. بكل الأحول، ما يجري في إدلب وريفها خطوة لا بدّ منها، في طريق التسوية السورية، وله دلالة كبيرة على حجم التوافق التركي الروسي بعيد المدى في سوريا، خاصة أنه لا يشمل إيران. ومع تخلي واشنطن عن مطلب تغيير النظام، ومع نجاح المساعي الروسية لإعادة قبول النظام ضمن المحيط العربي والإقليمي، لا يبقَى أمام أنقرة سوى القبول بالحل الروسي، بإبقاء النظام؛ فهل سيحقق هذا الحل الاستقرار في سوريا؟ اعتقد.. لا.

مشاركة :