«فرنسا الغاضبة» تهدد مستقبل أوروبا السياسي

  • 1/6/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رغم عواصف الطقس الشتوي في فرنسا، تواصلت الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تقودها حركة «السترات الصفراء»، للسبت الثامن على التوالي، تحت عنوان «فرنسا الغاضبة»، فى باريس وعدة مدن أخري.. وشهدت العاصمة نزوح أعداد حاشدة من الضواحى والقرى النائية للمشاركة فى الاحتجاجات، التي فتحت أبواب المجهول أمام الدولة الفرنسية، وكشفت أن فرنسا وأوروبا عموماً تعاني أزمة ثقافية وأيديولوجية عميقة.   بدأت حركة «السترات الصفراء» الاحتجاجية فى فرنسا العام الجديد بمظاهرات الغضب..وفى رسالتهم التى تعد الأولى من نوعها، انتقد محتجو الحركة العنف المفرط وغير المبرر الذى استخدمته قوات الأمن خلال الاحتجاجات.. وخاطبت الحركة الرئيس الفرنسي، قائلة: قواتكم الأمنية تهاجم بشكل وحشى الشعب والصحفيين وكل المواطنين الذين يمارسون حقهم فى التظاهر والاحتجاج السلمي..وكان اعتقال إريك درويه، أحد قادة «السترات الصفراء»، أمس الأول، قد أثار غضبا شديدا لدى الحركة وبعض أحزاب المعارضة، التي أدانت ما وصفته  بـ «الانتهاك المنهجي» للحقوق السياسية للمعارضين، واستغلالا للسلطة و«تسييسا» للشرطة.  أوروبا على أبواب شتاء ساخن وصاخب وتحذر دوائر سياسية في برلين ولندن وباريس، من تهديد موجات «االسترات الصفراء» للمستقبل السياسي للقارة الأوروبية، والتي ستقف على أبواب شتاء ساخن وصاخب، حيث تمثل مطالب «السترات الصفراء» انقلابا صريحا على الديمقراطية الغربية، والتى تؤمن بمبدأ احترام ما آلت إليه نتائج الصناديق الانتخابية، ولم يسبق وأن تبنى متظاهرون فى دول «المعسكر الغربى»، والتى دائما ما تتشدق باحترام الانتخابات، مطالب من شأنها الإطاحة برئيس منتخب، وأن الخروج عن مبادئ الديمقراطية فى فرنسا يمثل تهديدا صريحا ليس فقط لمستقبلها، وإنما مستقبل أوروبا بأسرها، خاصة مع بزوغ نجم التيارات اليمينية فى العديد من مختلف دول القارة، والتى تتبنى نفس الرؤية، وهو ما بدا واضحا فى ظهور العديد من المظاهرات فى عدد من العواصم الأوروبية والتى حملت نفس المطالب تقريبا التى رفعها المتظاهرون الفرنسيون، وإن لم تكن بنفس الحدة، وبالتالى ربما يبقى مستقبل القارة على المحك، سواء على المستوى الفردى المتمثل فى كل دولة على حدة، أو الجمعى، فى ظل حالة الغضب الجماعى تجاه الاتحاد الأوروبى فى المرحلة الراهنة.«كفر» بالديمقراطية الغربية ومبادئها وتشير الدوائر السياسية إلى أن الحراك الفرنسى يحمل فى طياته «كفرا» بالديمقراطية الغربية ومبادئها، فى ظل سياسات تبناها الرؤساء الذين تبادلوا فى السنوات الماضية على عرش «الإليزيه»، والتى قامت فى مجملها على الاتساق مع سياسات الاتحاد الأوروبى، والتى يراها قطاع كبير من المشاركين فى المظاهرات أنها السبب الرئيسى وراء حالة التدهور التى تعيشها باريس فى المرحلة الراهنة بالإضافة إلى الدور الذى لعبه فى حرمان دول القارة من سيادتها واستقلالها، وهو ما يمثل السبب الرئيسى وراء المطالب بالخروج من التكتل، وهو الأمر الذى يتسق تماما مع الرؤية التى تتبناها تيارات اليمين المتطرف، وعلى رأسهم حزب الاتحاد الوطنى، والذى تترأسه السياسية الفرنسية مارين لوبان.    تراجع الرأسمالية الليبرالية ذات البعد الاجتماعى ويرى محللون ومراقبون للوضع في فرنسا، أن الاحتجاجات الشعبية في فرنسا، كشفت عن حالة «رفض وغضب» للواقع الاقتصادي، مع التغيير الذي أصاب الرأسمالية الليبرالية، أو ذات البعد الاجتماعى، التى ترسخت فى أعتى الدول المتقدمة ذات الاقتصاد الحر وعلى رأسها فرنسا، فتلك الرأسمالية اعتمدت منذ زمن طويل مفهوم دولة «الرفاه الاجتماعى»، حيث تقع على الدولة مسئولية توفير سبل الضمان الاجتماعى وبرامج الرعاية فى التعليم والصحة والخدمات العامة وإعانة للبطالة، وأن هذا الحل التاريخى الذى أخذ ببعض الأفكار الاشتراكية فى العدالة الاجتماعية جاء إنقاذا للنظم الرأسمالية من الوقوع فى براثن الشيوعية، بعد أزمة الكساد العالمى التى عانى منها الغرب بأكمله أوائل ثلاثينيات القرن الماضى، وأصبح حقيقة لا يمكن الرجوع فيها، لذلك لا يمكن النظر إلى حركة السترات الصفراء إلا كحركة احتجاج مدنية واسعة للطبقة الوسطى حفاظا على هذه المكتسبات، فهى ليست حركة أيديولوجية ولا حزبية، حتى وإن سعت بعض الأحزاب للاستفادة منها سواء المنتمية إلى اليسار الراديكالى بعدائها التقليدى للرأسمالية، أو اليمين العنصرى الذى يلعب على وتر الخوف من المهاجرين ومزاحمتهم الفرنسيين فى فرص العمل.. باختصار إنها حركة مجتمعية بامتياز وهو ما يزيد من خطورتها ويجعل قمعها أمرا صعبا.  تداعيات انتفاضة مايو 1968 لم تكن أحداث انتفاضة مايو/ آيار 1968 في فرنسا مجرد مرحلة تاريخية عابرة علا فيها صوت الشباب الثوار ضد القيود التي تكبلهم فحطموها، بل كانت محطة مهمة وثورة غيّرت وجه البلد تماما وما تزال آثارها وتداعياتها ممتدة إلى اليوم، والدليل ما صرح به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في بداية عهده عندما قال إن من أهدافه القضاء على ميراث حركة مايو 1968، لأنه ـ ككل اليمين في فرنسا ـ  يعتبر أن تلك الحركة شكلت تهديدا للسلطة وشوهت المعايير السلوكية لدى المواطنين ودفعتهم إلى الاستخفاف بقيمة العمل في الوقت الذي يرى خصومهم أنها النقطة التي سمحت بالتأسيس لفرنسا جديدة عنوانها الحرية والعدالة الاجتماعية. ويقول هنري ويبر، أستاذ العلوم السياسية، عن انتفاضة مايو/آيار 1968: الشيء الذي كان يجذب الطلاب إلى الماركسية، آنذاك، هو البعد التبشيري أو التغييري الذي تتمتع به، كانوا يعتقدون أن المجتمع فاسد كليا وغير قابل للإصلاح، وبالتالي فلا بد من تدميره من أجل تشكيل مجتمع آخر جديد، وتدمير المجتمع لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الثورة العارمة، ولذلك انخرطوا في ثورة مايو 1968، التي كانوا يعتقدون أنها سوف «تكنس» كل الأنظمة اليمينية في أوربا، وكان الحقد على اليمين الفرنسي الحاكم كبيرا، وكان ديغول قد شاخ وقارب الثمانين، وبالتالي فقد ملّوا منه رغم عظمته التاريخية..وتفجرت أحداث مايو 1968 كنتيجة لتراكمات فرضتها ظروف محلية ودولية مهمة على المستويين السياسي والاقتصادي..وهو ما يراه مراقبون  مناخ قريب من المناخ الحالي في فرنسا واوروبا.

مشاركة :