أثار الكشف عن قيام مسؤولين بزيارة إسرائيل ضجة كبيرة في العراق، ما دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، حسن الكعبي، إلى فتح تحقيق مع هؤلاء، الذين اعتبر أنهم تجاوزوا «الخط الأحمر».وجاء الإعلان عن الزيارة على حساب وزارة الخارجية الإسرائيلية على «تويتر»، كما تناقلته تقارير صحافية إسرائيلية بعدها، ومفاده أن ثلاثة وفود عراقية زارت إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية. وجاء في تقارير إسرائيلية أنه شارك في هذه الزيارات نحو 15 شخصية ورد أنها «شيعية وسنية نافذة». وزار العراقيون، من ضمن مواقع أخرى، مؤسسة «ياد فاشيم» التي تحكي عن «الهولوكوست»، كما زاروا مركز تراث اليهود المهاجرين من العراق، وذلك في مدينة أور يهودا، كما التقوا أكاديميين إسرائيليين.وقالت مصادر سياسية إن الهدف من هذه الزيارات هو إنشاء أساس مستقبلي لعلاقات بين البلدين، مشيرة إلى أن هناك في العراق توجهاً إيجابياً بالنسبة لإسرائيل.وفيما أكدت تغريدة لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن الزوار الـ15 «اجتمعوا بأكاديميين ومسؤولين إسرائيليين»، قال المتحدث باسم متحف «ياد فاشيم» إن «مجموعة من عشرة عراقيين قاموا بزيارة المتحف في نهاية ديسمبر (كانون الأول)». وأضاف أنه «غير قادر على كشف هويات ومناصب هؤلاء العراقيين». ووصفت قناة التلفزيون الإسرائيلية الخاصة «حداشوت»، العراقيين الذين زاروا إسرائيل، بأنهم من «المسؤولين المحليين»، مؤكدة «أنهم شددوا على أن زيارتهم ليست رسمية، ولا بد أن تبقى سرية لتجنب غضب في العراق، وكذلك في إيران».ويطالب اليهود العراقيون المقيمون في إسرائيل بشكل متكرر بتطبيع العلاقات بين العراق والدولة العبرية، لكن موضوع التطبيع بين البلدين لا يزال في غاية الحساسية، خصوصاً أن إسرائيل كانت الدولة الوحيدة التي دعمت إجراء الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق في عام 2017، في حين أن الحكومة المركزية في بغداد كانت ضده تماماً. وأكد التقرير أن الزوار العراقيين ليسوا من كردستان العراق، بل من «العراق ذاته». والعراق في حالة حرب مع إسرائيل وتدعم بشدة مقاطعة الجامعة العربية لإسرائيل. وجوازات السفر العراقية لا تصلح للسفر إلى إسرائيل.وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الزيارات كانت في جانب آخر «اجتماعية» كذلك، وشملت أيضاً لقاءات مع منظمات تتعامل مع الإرث اليهودي العراقي. وقال تقرير إن هدفها كان «بناء بنية تحتية لعلاقات مستقبلية» بين العراق وإسرائيل، وإن المبعوثين عادوا إلى العراق «كسفراء مستقبليين» لإسرائيل هناك.وفي شهر مايو (أيار) الأخير، أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحة «فيسبوك» مخصصة لبناء العلاقات مع العراق. وقال دبلوماسيون في تل أبيب إن الصفحة العربية بمثابة «سفارة رقمية» في العراق. وقد عززت إسرائيل في الأشهر الأخيرة مبادراتها للتواصل مع البلد، مدعية أن العراقيين معنيون بإقامة علاقات مع الدولة اليهودية. ويقول الإسرائيليون إن المجتمع اليهودي العراقي هو أقدم مجتمع يهودي خارج إسرائيل، ويعود إلى زمن النبي إبراهيم، الذي عاش في أور، بجنوب العراق. وفي أعوام 1950 - 1952، انتقل ما يتراوح بين 120 ألفاً إلى 130 ألف يهودي إلى إسرائيل، ما ترك نحو عشرة آلاف في العراق. واليوم، يعتقد أن هذا العدد تقلص إلى بضعة أشخاص.إلى ذلك، أطلق المحلل السياسي الإسرائيلي إيدي كوهين، تغريدة عبر «تويتر» أكد فيها حدوث الزيارة، وذكر أسماء النواب الذين كانوا أعضاء في الوفد الزائر، لكن كوهين عاد وحذف تغريدته بذريعة أن متحدثاً باسم الخارجية الإسرائيلية «وبخه وطلب منه فوراً حذف التغريدة لأنها تسببت بفضح النواب»، على حد زعمه. وذكر كوهين اسم نائبة عن ائتلاف «دولة القانون» وأربعة نواب وشخصيات سياسية من محافظة نينوى كانوا ضمن أحد الوفود إلى جانب النائب عن محافظة كركوك خالد المفرجي، ونفى الأخير الموضوع جملةً وتفصيلاً، وغرد المفرجي عبر «تويتر» قائلاً: «لا أستغرب الكذب من الذين اغتصبوا أرض فلسطين وشردوا شعبها، لكنني أستغرب الذين يصدقون الكاذبين بهذه السهولة».ولم يسبق لأي مسؤول عراقي أن قام بزيارة إسرائيل في العلن باستثناء النائب السابق مثال الألوسي الذي زارها مطلع أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004، وطرد على أثرها من عضوية حزب «المؤتمر الوطني» الذي كان يتزعمه السياسي الراحل أحمد الجلبي.بدوره، طالب نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي، أمس، وزارة الخارجية، بالتحقيق في هذه المزاعم، ووجه لجنة العلاقات الخارجية النيابية بالأمر ذاته. وقال الكعبي في بيان إن «على وزارة الخارجية التحقيق بما ورد في وسائل إعلام غربية وصهيونية بشأن زيارة 3 وفود عراقية إلى الكيان الإسرائيلي». وأضاف أن «قضية الذهاب لأرض محتلة خط أحمر ومسألة حساسة للغاية بالنسبة للمسلمين في أقصى مشارق الأرض حتى مغاربها».ورجّحت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، أمس، أن تكون هذه المزاعم «جزءاً من لعبة هدفها خلق فتنة داخل العراق»، معتبرة أن الموضوع من اختصاص جهازي المخابرات والأمن الوطني، وهما المعنيان بتوضيح حقيقة تلك الادعاءات أو نفيها. وكشف عضو اللجنة، فرات التميمي، في تصريحات، عن أن اللجنة ستستضيف الأربعاء وزير الخارجية محمد علي الحكيم لسؤاله عن موضوع الزيارة و«ما تم تداوله من تصريحات نسبت للوزير حول موقفه من حل الدولتين للقضية الفلسطينية».وكانت تصريحات سابقة لوزير الخارجية العراقي أطلقها الأسبوع الماضي، حول تأييد العراق لحل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية، أثارت هي الأخرى ضجة بين الأوساط السياسية وصلت حد المطالبة بإقالة الوزير، ثم عادت وزارة الخارجية وأصدرت بياناً قالت فيه: «تؤكد وزارة الخارجية موقف العراق التاريخي والمبدئي من القضية الفلسطينية في دعم حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير الأرض والإنسان وإقامة دولة مستقِلة وعاصمتها القدس، كما يدعم العراق مبادرات السلام العربية، والدولية، ومنها مبادرة السلام العربية التي سبق أن طرحت في قمة بيروت 2002، وأصبحت بنداً دائماً على جدول أعمال القمم العربية اللاحقة».وفيما يقول هشام الركابي مدير المكتب الإعلامي لرئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، إن موضوع الزيارة «نكتة وأكاذيب إسرائيلية اعتدنا عليها». ويتفق رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي حول «طبيعة البربوغندا الدعائية» التي يعمد الإسرائيليون إلى إطلاقها بين الحين والآخر لجس النبض من مسألة التطبيع. ولا يستبعد الهاشمي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، سعي «بعض الدوائر الإقليمية والدولية إلى إثارة مشكلات إضافية في العراق بين الفرقاء السياسيين عبر التلويح بأن هذه الجهة أو تلك مع فكرة التطبيع مع إسرائيل». ويضيف: «لا أستطيع تفسير الأهداف التي دعت محللاً إسرائيلياً إلى ذكر أسماء صريحة لبعض النواب والقول إنهم زاروا إسرائيل}.
مشاركة :