"ترمب البرازيل" .. هل يملك عصا سحرية لإنقاذ اقتصاد بلاده في طرفة عين؟

  • 1/10/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ إعلان فوز جايير بولسونارو بالانتخابات الرئاسية البرازيلية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والأسواق المالية هناك في انتعاش ملحوظ، إلى الحد الذي جعل بعض الاقتصاديين يصفون البورصة البرازيلية بأنها الأفضل أداء على المستوى الدولي الآن. وتشير التوقعات إلى أن نتائج الربع الأخير من العام 2018، والتي لم يعلن عنها بعد، ستكشف أن البلاد في طريقها إلى أن تكون أفضل الأسواق أداء على المستوى الدولي في الربع الأخير من العام الماضي، وسط توقعات بأن هذا الأداء المميز سيمتد إلى منتصف عام 2019 في أقل تقدير. وتشير الأرقام إلى أن الاقتصاد البرازيل وبفضل المناخ الإيجابي الذي يسود الأسواق المحلية حاليا، سيحقق معدل نمو يبلغ 2.4 في المائة مقارنة بحوالي 1.3 في المائة العام الماضي، وخلال الفصليين المقبلين سيزداد الاقتصاد قوة. ويصبح التساؤل ما الذي حدث؟، هل يمتلك الرئيس الجديد المعروف باسم "ترمب البرازيل" عصا سحرية قادرة على انعاش اقتصاد بلاده في طرفة عين؟، ولماذا استقبلته الأسواق بتلك الحفاوة؟، وما هي تعهداته الاقتصادية؟، وهل هو قادر بالفعل على الالتزام بتنفيذ ما تعهد به؟. ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور سي آر كلارك أستاذ الاقتصادات الناشئة في جامعة نيوكسل: إن "جايير بولسونارو يتبني نهجا اقتصاديا ينتمي إلى المدرسة النيو ليبرالية، ومن ثم يستبعد تماما تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، وسيعمل على بيع والتخلص من القطاع العام وأملاك الدولة، ورفع الدعم، وإطلاق الآليات السوق عبر منح الرأسمالية المحلية امتيازات ضخمة، وتشجيع رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار في البرازيل، وهذا تحديدا ما دفعه إلى التصريح عند تولي السلطة، بأنه سيقضي على الاشتراكية في البرازيل". وبصرف النظر عن قدرة الرئيس البرازيلي على تنفيذ جدول أعمال سياسته الاقتصادية أم لا؟، والمدى الزمني الذي يحتاجه لتحقيق أهدافه الاقتصادية، وحجم المعارضة والمقاومة الداخلية التي سيواجهها لعرقلة التحول الذي يبتغيه، ومدى استعداد الشركات العالمية ورؤوس الأموال الدولية إلى الوقوف خلفة ومساندته لإنجاح رؤيته الاقتصادية، فإن معظم الحركة الإيجابية في الأسواق البرازيلية خاصة في سوق الأسهم، تشير إلى أن البلاد لربما تكون على طريق الخروج من النمط الاقتصادي الذي تبنته لعقود، والذي لعبت فيه الدولة دورا ملحوظا، لتعبئة رأس المال المحلي للقيام بعملية تنمية ورفع معدلات النمو. ومع هذا، لا يعتقد الخبراء الاقتصاديين في المؤسسات الائتمانية أن البرازيل ستحقق معدلات نمو مرتفعة وسريعة بشكل مفاجئ. دفين جيم الباحث في مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني يرحب بالنهج الاقتصادي للرئيس بولسونارو، ويعتقد أن السلوك الراهن للأسواق مؤشرا على ترحيبها بتلك السياسات، لكنه يحذر من التسرع في إصدار الأحكام، أو التوصل إلى قناعات نهائية. ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه يجب التريث وإعطاء الأسواق الداخلية الفرصة الكافية لتفهم تفاصيل الإصلاحات الاقتصادية للرئيس بولسونارو، وكيفية التعامل الأمثل معها، مع الأخذ في الاعتبار أن الرئيس بولسونارو، يمكنه التأثير في المسارات الاقتصادية الداخلية، أما العوامل الخارجية وهي عوامل مؤثرة للغاية في خطته الاقتصادية، فإنه لا يملك الكثير من القدرة في توجيهها". وربما يتضح ذلك في أن جزء كبير من السياسات الاقتصادية للبرازيل في المرحلة المقبلة مبنية على أساس زيادة القدرة التصديرية لرفع معدلات النمو، إلا أنه من المشكوك فيه أن يحدث هذا بالمعدلات المستهدفة، فبعض السلع التي تقود قطاع الصادرات البرازيلي مثل فول الصويا وخام الحديد توجه أساسا إلى الأسواق الصينية، والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة دفعت ببكين إلى خفض وارداتها من البرازيل، وحتى تفلح البلاد في فتح اسواق جديدة، فإن الفترة الانتقالية للوصول إلى هذا الهدف، قد تشهد تقلصا في معدلات النمو، بما قد يدعو الرئيس بولسونارو، إلى إعادة التفكير في سبل جديدة للحفاظ على الزخم الذي تتمتع به رؤيته الاقتصادية في الوقت الراهن. وغالبا ما يميل التحسن في معنويات الشركات إلى زيادة في الاستثمار، ويترجم الاستثمار في شكل زيادة في التوظيف، وعلى الرغم من أن معدل البطالة في البرازيل بلغ 11.6 في المائة، وهو معدل مرتفع لكنه يعد الأدنى منذ منتصف عام 2016، فإن الرئيس بولسونارو، يراهن على أن يؤدي الدعم الذي يحظى به بين كبار الرأسماليين، الى إقبالهم على ضخ المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، ومن ثم زيادة التوظيف وخفض معدلات البطالة، ما يمنحه قبول شعبي أكبر يمكن ترجمته في مزيد من الامتيازات للشركات لضخ المزيد من الاستثمارات ورفع معدلات التوظيف. وتصف الدكتورة كرستين راسل المتخصصة في الاقتصاد الدولي والمحاضرة في جامعة كامبريدج، الرئيس البرازيلي بترمب المنطقة الاستوائية، وتعتقد أن الرسالة التي يجب أن يرسلها سريعا للأسواق تتمثل في اتخاذه خطوات سريعة لإحداث التغيير المنشود، فهذا ما سيبرهن على جديته، وسيضمن حصوله على الدعم المطلوب من المؤسسات المالية الدولية. وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الاقتصاد البرازيل كان يكافح بقوة خلال السنوات الماضية من اجل تحقيق النمو، لكنه ناضل بقوة للبقاء قرب 1 في المائة خلال العاميين الماضيين، ولم يتجاوز 2 في المائة في السنوات الخمسة الماضية". وتشير راسل إلى أن "إحدى القضايا الرئيسية التي تضر بالاقتصاد البرازيلي هي نظام التقاعد في البلاد، وهذا النظام قاد الى زيادة في معدلات التضخم، وإذا أفلح الرئيس راسل في دفع عجلة الإصلاح لنظام التقاعد، وجعله أولوية عبر رفع سن التقاعد للرجال من 60 الى 62 سنة وللنساء من 55 إلى 57 سنة فهذا يعني أنه يفهم التحديات المقبلة". وتبدو أولويات باولو جيديس وزير الاقتصاد، منحصرة حاليا في إصلاح نظام التقاعد والنظام الضريبي، والخصخصة، وبالنسبة له، فإن إصلاح نظام التقاعد هو أول وأبرز تحدٍّ" للحكومة، ويضمن مستقبلاً "عشر سنوات من النمو المدعّم إذا ما جرت الموافقة عليه خلال شهرين أو ثلاثة. وهذا الإصلاح ضروري لتقليص الدين الهائل للبرازيل، نتيجة نظام توزيع سخي جداً في بلد يبلغ عدد سكانه 210 ملايين نسمة. ومع هذا يذكر البعض بأن العامل الأساسي الذي قد يعرقل قدرة الرئيس البرازيلي في تنفيذ برنامجه، يتمثل في تفشي ظاهرة الفساد وغياب العدالة الاجتماعية في البلاد بشكل ملموس، وذلك على الرغم من سنوات حكم الاشتراكيين. ويشير بعض الاقتصاديين إلى أن المشكلتين قد تحظيا باهتمام مكثف من الرئيس إذا أراد أن ينال برنامجه الإصلاحي دعما شعبيا، خاصة في ضوء ما قد يتضمنه البرنامج من إجراءات تمس بشكل مباشر بالقدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة، بما يمكن أن يفجر احتجاجات اجتماعية قد تكون حجر العثرة الأساسي لإفشال البرنامج الرئاسي.

مشاركة :