هل تملك لاجارد عقاراً سحرياً لإنقاذ اقتصاد أوروبا؟

  • 10/10/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان *الأمل معقود الآن على أن تعالج كريستين لاجارد - بمزيجها الاستثنائي من مهارات التعامل مع الآخرين وعلاقاتها المهنية وخبرتها في السياسة الوطنية والدولية - توسيع وتحسين هيكل سياسة أوروبا.طبيب محترم للغاية يتولى رعاية مريض مصاب بأمراض مزمنة ويزداد ضعفاً على ضعف. علاج المريض منذ فترة طويلة لم يسفر عن نتائج إيجابية بل إنه تسبب في آثار جانبية ضارة. هناك علاج أفضل، لكنه غير متوفر في مستشفى الطبيب المحترم. وفي المشفى الجديد الذي يتوفر فيه العلاج، لا يأبه الأطباء كثيراً بحالة المريض.ذلك الطبيب الجديد هو كريستين لاجارد، العضو المنتدب السابق لصندوق النقد الدولي والتي تحظى بالتقدير والاحترام على نطاق واسع، والتي ستخلف ماريو دراجي قريباً كرئيس للبنك المركزي الأوروبي. والتحدي الأساسي الذي يواجهها هو تجنب عشر سنوات أخرى من النمو الهش في منطقة اليورو. ويتوقف الحكم على تجربتها وحتى تجربة سلفها، ماريو دراجي، على طبيعة تطور حال ذلك المريض تحت رعايتها - وما إذا كان يمكنها الحصول على إجماع حكومات منطقة اليورو الرئيسية لتوفير العلاج اللازم.لا يوجد الآن أدنى شك في أن الاقتصاد الأوروبي فقد زخمه. وقد أفسح التكهن المفرط في التفاؤل بتحقيق نمو مطرد، المجال لواقع قاتم نتج عن علل مزمنة ورياح معاكسة موسمية وهيكلية تؤثر في النشاط الاقتصادي. ولا تزيد معدلات النمو الاقتصادي الحالية عن 1% مقارنة مع الحد المستهدف عند 2%.وما زال هناك شبه إجماع على أن أوروبا معرضة لمخاطر ظاهرة «النمو البطيء جداً». وهي الحالة التي قد يظل النمو فيها إيجابياً، لكنه لن يكون كافياً لتلبية المطالب المتعددة مثل جيوب المديونية المفرطة، والطلب المتزايد على الخدمات الاجتماعية، والحاجة إلى بنية تحتية أفضل وتعمق الغضب الشعبي والاستقطاب السياسي والعزلة.أضف إلى ذلك أن المفاجآت التي كانت مستبعدة سابقاً والتي يمكن أن تقوض نزاهة نظام السوق ستصبح فجأة ممكنة - بل مرجحة. فأسعار الفائدة السلبية في أوروبا، على سبيل المثال، قد تدوم أطول من المتوقع. والأسوأ من ذلك، أن الأوروبيين لم يتعاملوا بكفاءة مع الآثار الضارة للتوترات التجارية العالمية، التي أصابت الصناعات المعتمدة على التصدير في ألمانيا بشكل خاص، في الوقت الذي يعاني الاقتصاد الأوروبي عيوباً هيكلية. وفي ظل كل هذه التطورات السلبية، تواصل السلطات الأوروبية التركيز على حل واحد فقط هو السياسة النقدية غير التقليدية التي تقوم على أسعار الفائدة السلبية وبرامج التيسير الكمي. مما لا شك فيه، كان هذا النهج فعالاً في احتواء أزمة الديون التي كانت تهدد الاتحاد النقدي والعملة الموحدة في وقت سابق من هذا العقد. ولكن ثبت أنه غير فعال بشكل متزايد في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام.وتتزايد المخاوف، حتى داخل البنك المركزي الأوروبي، بشأن اعتماد البنك على نفس الدواء القديم لأجل طويل، في ظل تزايد الوعي بالآثار الضارة لمعدلات الفائدة السلبية. فقد تقلص المعدلات السلبية القدرة على توفير خدمات الحماية المالية طويلة الأجل للأسر الأوروبية، مثل التأمين على الحياة والأنظمة التقاعدية، وبالتالي تنتهي إلى تقويض الأمن الاقتصادي. وهذه الفائدة السلبية تشجع على المخاطرة المفرطة، والتي يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار المالي مستقبلاً، إلا أنها لا تعزز تخصيص الموارد بكفاءة لخدمة الاقتصاد الأوسع.وسوف يجد البنك المركزي الأوروبي صعوبة متزايدة في متابعة نفس السياسة في مواجهة الشكاوى المتزايدة والضغط السياسي طالما أن هذه المخاطر حقيقية ومتصاعدة (وأعتقد أنها كذلك ). لكن البنك لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي نظراً لتدهور الاقتصاد الأوروبي. وهو عاجز عن أن يتفكر في خيار إلغاء السياسات غير التقليدية التي تبناها في العقد الماضي، لأن ذلك من شأنه أن يزيد من خطر حدوث اضطرابات اقتصادية ومالية فورية.ومن هنا أقول إن ورطة البنك المركزي الأوروبي لا مخرج منها إلا من خلال نهج شامل مؤيد للنمو على الصعيدين الوطني والإقليمي، بما في ذلك التدابير التي لا تتوفر للبنوك المركزية الوطنية. والمؤكد أن البلدان الأوروبية بحاجة إلى إصلاحات هيكلية أعمق - بما في ذلك تحديث البنية التحتية وتطوير مهارات العمال وإعادة تدريبهم - لتعزيز إنتاجية كل من رأس المال والعمالة. كما يجب أن تتابع تلك الدول برامج التحفيز المالي كلما كان ذلك ممكناً، وأن يحلوا مشكلة عبء الديون المستمرة التي تخنق محركات النمو الحالية وتعيق ظهور محركات جديدة. وعلى المستوى الإقليمي، تحتاج أوروبا إلى توسيع وتحسين هيكل سياستها، على الأقل من خلال استكمال الاتحاد المصرفي وحل الخلافات القائمة منذ فترة طويلة حول التكامل المالي. والأمل معقود الآن على أن تعالج كريستين لاجارد - بمزيجها الاستثنائي من مهارات التعامل مع الآخرين وعلاقاتها المهنية وخبرتها في السياسة الوطنية والدولية - النقطة المحورية التي تحتاج إليها أوروبا. فالتحدي هو الإرادة السياسية، وليس الهندسة، وإنجازات لاجارد الأخيرة في صندوق النقد الدولي - حيث سلطت الضوء على الآثار الاقتصادية للتمييز بين الجنسين، وتغير المناخ - تبين أنها قادرة على الشروع في بدء التغيير الضروري. * كبير الاستشاريين في «أليانز»

مشاركة :