رجّحت أوساط في العاصمة اللبنانية بيروت أن يلتقي البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الموجود حاليا في الفاتيكان، يوم غد (الاثنين)، مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو الذي يتابع عن كثب الملف الرئاسي اللبناني، والذي فشل حتى الساعة بتحقيق أي خرق يُذكر بعد جولات مكوكية له في المنطقة. وتأتي هذه الخطوة، إذا تحققت، بعد تجديد حزب الله تبنيه ترشيح حليفه النائب العماد ميشال عون للرئاسة. مصادر مسيحية مقرّبة من البطريركية المارونية أبلغت «الشرق الأوسط» أن جيرو سيسعى لـ«حث البطريرك والفرقاء اللبنانيين على لعب دور أساسي في هذه المرحلة، باعتبار أن المعطيات الإقليمية غير مشجعة، وبالتالي أي خرق للأزمة لا يمكن أن يتم حاليا إلا من الداخل». وفي هذه الأثناء، يرى مراقبون في بيروت أن أسهم عون، رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»، عادت لترتفع في خضم المعركة لرئاسة الجمهورية، بعدما قرر حزب الله مده بجرعات دعم جديدة ومكثفة توحي بأنه يعتمد على متغيرات إقليمية ودولية قد تعيد حليفه المسيحي إلى مركزه كمرشح أول لموقع الرئاسة الشاغر منذ مايو (أيار) الماضي. الجدير بالذكر، أن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي كان قد حدّد الـ18 من الشهر الحالي موعدا جديدا لجلسة انتخاب رئيس، بعد فشل البرلمان الحالي 18 مرة على التوالي بإنجاز مهمته نتيجة «لتوازن الرعب» القائم بين طرفي الصراع في لبنان، حيث يمتلك فريق 8 آذار 57 نائبا، وفريق 14 آذار 54 نائبا، في حين أن هناك كتلة وسطية مؤلفة من 11 نائبا ينضوون في إطار كتلة النائب وليد جنبلاط و6 مستقلين. وبما أن الدستور اللبناني ينص على وجوب حصول المرشح على 65 صوتا على الأقل في دورات الاقتراع الثانية وما بعد، فإن اشتراط حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتأمين النصاب القانوني لانعقاد جلسة لانتخاب الرئيس جعل الطرفين قادرين على التعطيل، من دون قدرة أي منهما على تأمين أصوات 65 نائبا لصالحه. هذا، لا يبدو أن الحوارات الثنائية المستمرة بين حزب الله وتيار المستقبل من جهة، وبين عون ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع من جهة ثانية، قد تفضي قريبا لحل لأزمة الرئاسة، مع تمسك فريق 8 آذار بشعار «عون أو لا أحد» وتمسك فريق 14 آذار بالمقابل بمقولة «أي رئيس إلا عون». وبعدما بدا جليا في المرحلة الماضية أن الملف الرئاسي لم يعد أولوية على سلم الاهتمامات المحلية، وهو أصلا ليس على السلم الإقليمي - الدولي، عاد حزب الله ليدفع إلى الواجهة مجددا تمسكه بترشيح عون، رافضا أي حديث عن رئيس توافقي. وبعد الموقف اللافت الذي أعلنه محمود قماطي، عضو المكتب السياسي في حزب الله، يوم أول من أمس (الجمعة) من مقر إقامة عون في منطقة الرابية (شرق بيروت)، مرددا إحدى الأغاني الحزبية الخاصة بتيار عون قائلا: «لن نترك عون ولن نرضى بديلا عنه»، شدّد رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد على أن «الفراغ لن يُملأ قبل أن يتفاهم اللبنانيون على العقلية والمنهجية التي سيلتزمها الحكم في لبنان، خصوصا مع العدو الصهيوني والإرهاب التكفيري». وأشار رعد في كلمة خلال احتفال تأبيني أقامه حزب الله في جنوب لبنان إلى أن «فراغا تملأه شخصيات لا تعرف الاتجاه الذي يجب أن تسلكه يمكن أن يضيع البلد». وأردف: «نشجع كل اللبنانيين من أجل الوصول إلى النتيجة التي تحدد خيار البلد الصحيح حتى يقوم الرئيس الجديد بقيادة السفينة في اتجاه خدمة هذا الخيار الوطني الصحيح». ولقد نفت مصادر قوى 8 آذار أن يكون ما قصده رعد في كلامه عن وجوب التوافق على «عقلية ومنهجية سيلتزمها الحكم في لبنان» الدعوة لاتفاق على نظام جديد للحكم، موضحة أن ما عناه هو «التمسك بانتخاب الرئيس الذي يمثل خيار المقاومة، والذي ينحصر حاليا بالعماد عون». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله لن يسير بأي رئيس من 14 آذار، ولا بأي رئيس غير معروف التوجّهات السياسية أو على عداء مع المقاومة، وهذا أمر مفروغ منه.. وهو حتى لا يقبل حاليا البحث بأي أسماء أخرى متمسكا بعون مرشحا واحدا ووحيدا». وشدّدت على وجوب إتمام «تفاهم محلي داخلي حول الموضوع الرئاسي، وعدم انتظار تفاهمات خارجية كبرى قد تطول كثيرا». وراهنا، لا يستغرب فريق عون السياسي تمسك حزب الله بترشيحه للرئاسة، ويضعه بالإطار «الطبيعي» لمسار الأمور. ويتحدث الدكتور سليم سلهب، النائب في تكتل عون، عن تكرار الحزب دعمه لعون بـ«صيغة منتظمة»، نافيا أن يكون هناك معطيات جديدة توحي بأننا دخلنا في المرحلة الجدية التي تسبق إتمام عملية الانتخاب. وأشار سلهب لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لا يمكن الحديث عن تقدم بالمشاورات الحاصلة على صعيد الملف الرئاسي، معتبرا أن الانتخابات ليست بقريبة. وتابع: «المبعوث الفرنسي فرنسوا جيرو لم يحمل أي معطى جديد بشأن الرئاسة اللبنانية، ولا يمكن القول إن زيارته الأخيرة كانت مفيدة في هذا الإطار». ورجح سلهب أن تترك الحوارات الثنائية المستمرة «مناخا إيجابيا يمهد للانتخابات الرئاسية، من خلال التفاهم على سلة تسهّل مهمة الرئيس الجديد، وتمكّنه من أن يكون رئيسا قويا»، مستغربا «سعي فريق 14 آذار للتعاطي مع ترشيح عون للرئاسة وكأنه عقبة أمام إتمام هذا الاستحقاق، بهدف تحميله مسؤولية الفراغ المتمادي في سدة الرئاسة». في المقابل، لا يبدو تيار المستقبل مقتنعا بأن حزب الله يؤيد حقيقة انتخاب عون رئيسا، وهو ما يعبر عنه القيادي في التيار النائب السابق الدكتور مصطفى علوش، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «حزب الله يسعى للإبقاء على الشغور الرئاسي الحالي لتنفيذ مشاريع إيران في المنطقة دون عوائق تذكر». واستطرد «رغم كل الود والغرام الظاهر عبر الإعلام بين عون والحزب، فإن الأخير بالحقيقة لا يريد عون رئيسا، خوفا من أن ينقلب عليه بعد بلوغه سدة الرئاسة». واستبعد علوش كسر حلقة المراوحة التي يشهدها الوضع الرئاسي منذ نحو 8 أشهر، مؤكدا أن التيار المستقبل «لا يضع (فيتو) على اسم عون أو على أي اسم سواه، لكنه في الوقت عينه يصر على وجوب انتخاب رئيس توافقي لا تنطبق مواصفاته على عون»، ثم أضاف: «لا جدوى من الحوار مع حزب الله بموضوع الرئاسة، نظرا لتعنته وإصراره على مرشح واحد، ولذلك توافقنا على أن يجري التباحث في حوارنا معهم بمواصفات الرئيس وليس بالأسماء».
مشاركة :