تتساءل وأنت تهبط درجات سلم الطائرة في مطار الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز بالعلا في ظهيرة يوم مشمس ودافئ أي شتاء هذا ودرجة الحرارة تقارب 20 درجة مئوية ولكنك حين تصعد إلى قمة حرة عويرض تشعر ببرودة خفيفة تمر على حفيف شمس غاربة، وتكتشف أن الجو هنا مختلف تماماً، وحين تلتقي بالأصدقاء الذين سبقوك في الوصول ويخبرونك أن درجة الحرارة في صبيحة يومنا هذا كانت تقارب الأربع درجات مئوية تشعر أن هذه المنطقة تحمل أربعة فصول في موسمها، هذا وإذا كان لا وجود لربيع أخضر على أرض العلا لغياب المطر هذا العام فستشعر أن الربيع في قلوب الناس وعلى وجوههم فكلمات الترحيب التي تستقبلك أينما سحت على أرض العلا هي موسم ربيع دائم يعكس احتفال الناس بما يحدث على أرض العلا فالهيئة الملكية العليا لتطوير العلا ومشاريعها القائمة حديثاً والمستقبلية هي علامة فارقة في تاريخ المنطقة تحاول أن تعوض الناس غياب قطار التنمية عنها أو مروره السريع عليها. شتاء طنطورة ليس فصلاً يوحي بالبرودة فحسب، بل يشير إلى التاريخ والفن حين يعقدان حلفاً لبهجة الناس، وإذا كانت هذه التظاهرة الثقافية الفنية تحمل الكثير من الجدة على حياتنا فإنها تتماس عاطفياً مع أهل العلا الذين وجدوا في التسمية أحياء لموروث تناقله الناس جيلاً بعد جيل، فالطنطورة التي تحتل مكاناً في البلدة القديمة، والتي بنيت قبل مئات السنين كانت ساعة الناس الشمسية التقليدية لتوقيت دخول فصل الشتاء من كل عام، وهي بناء هرمي الشكل يجتمع الأهالي في فنائه في الثاني والعشرين من ديسمبر في كل عام للاحتفال بدخول فصل الشتاء؛ وذلك من خلال علامة على الأرض يصل إليها الظل مرة واحدة في السنة ويبدأ في التراجع خلال الأيام التالية. قلت أمام نخبة من أبناء العلا إن معظم من درسني في مراحل الدراسة كانوا من أبناء العلا قال لي أحدهم إن ثاني مدرسة نظامية في المملكة التي أسست عام 1349هجرية كانت في العلا وكان في هذا إجابة شافية على تساؤلي. الجولة مع مرشدي ومرشدات الآثار من أبناء العلا لا تُمل، فالمعلومات التي ترشح عن عقولهم تفتح لك باباً للتفكير في حال الحضارة النبطية وتثير جملة من الأسئلة: هل هم عرب كما يقول لك المرشد السياحي ويتحدثون لغتك العربية الفصيحة، وإذا كانوا كذلك فلِمَ سُمي شعرنا الشعبي بالنبطي وتستدعي مما قرأت ما تحاول به تعزيز هذه المعلومة أو نفيها؟ ولهذا حديث آخر. الجولة السياحية تبدأ من محطة حديد الحجاز وهي واحدة من ثماني محطات في العلا وحدها وهو ما يجسد أهمية هذه المنطقة لقربها من المدينة المنورة ولوقوعها على طريق الحاج، وأهمية ما تكتنزه من غلال استفادت منها الدولة العثمانية كما فعلت مع كل ثروات بلادنا، أما المحطة (التي أسهم المهندسون الألمان في تشييد طرق قطاراتها وأبنيتها) والتي جددت وظلت تحتفظ بأناقة بنائها وببريق حجارتها التي تميل إلى اللون الأبيض المشوب بصفرة تذكرك بالاعتلال الذي أصاب الدولة العثمانية وجعلها تغادر المنطقة على عجل. تعرف مدائن صالح أيضاً بالحِجر، وكانت موطن الأنباط وقوم ثمود المذكورين في القرآن الكريم. تبرز المباني المنحوتة في الصخر قوة تلك الحضارة التي ما زالت تقف شاهداً على ذلك حتى اليوم. ويعتبر تسجيل الحِجر (مدائن صالح) كأول موقع في السعودية ينضم إلى قائمة مواقع التراث العالمي إقراراً بالقيمة الثقافية العالمية، وسلامة الأعمال والإجراءات التي تمت في التعامل مع هذا الموقع وترى بعض الدراسات الأثرية أن مملكة دادان هي الطور الأول الذي تطور لاحقًا إلى مملكة لحيان، وهذا هو سبب اقتران لفظي «دادان» و«لحيان» عند الحديث عن آثارهما التي تكونت في العلا. يبهجك في جولة آثار وجود هؤلاء الشبان والشابات من أبناء وبنات العلا والذين أتاحت لهم الهيئة الملكية للعلا فرصاً وظيفية هم بأمس الحاجة لها وفي وظائف يحققون من خلالها ذاتهم ويخدمون ثقافة المنطقة، شملت جولتنا ثلاثة مواقع أثرية هي قصر البنت وقصر الفريد والديوان وهذا الأخير كان معبداً تمارس فيه طقوس التعبد، وتتميز المباني بفنية وحرفية التصميم، لك أن تتخيل حوار الإزميل والصخر والوقت الذي قضاه البنائون في إنجاز هذه الزخرفة المتقنة بأدوات بدائية متواضعة ولك أن تتخيل تلك الثقافة الموازية والمعاصرة لهذا الفن، أما جبل عكمة الذي يعتبر أكبر مكتبة صخرية مفتوحة في العالم وتحتوي على الكتابات والنقوش الأثرية، ويعود تاريخ هذا الموقع إلى الحضارة اللحيانية التي شكلت في العصور الماضية علامة فارقة في تاريخ إنجازات البشرية إلى جانب الحضارات الديدانية والمعينية والنبطية. يقول المرشد السياحي تلك كانت مقابرهم، فنسأل وأين كانت بيوتهم؟ فيجيب لقد كانوا قوماً رحلاً لا يستقر بهم مقام ولكن البعض منا كان يخمن أنها كانت بيوتاً ومقابرَ في آن فليس من المنطق أن يقدر الموتى بأبنية متعالية الإتقان والفنية ويظل الأحياء دون منازل. في الأفق المشرب بحمرة تتركنا الشمس وتغيب ليعم السكون المكان في حرة ظويهر التي تقع على ارتفاع 600 قدم وتمنحك إطلالة على العلا القديمة والحديثة معاً، وهو موقع سياحي قام الأهالي بإنشائه في البدء لتتولى بعد ذلك الهيئة الملكية تطويره ليصبح متنفساً لأهالي العلا وزوارها ويتم الدخول إليه برسم رمزي قدره عشرة ريالات للفرد الواحد، وتقع حرة ظويهر على امتداد 70 كم وتمتاز بمناخ بارد صيفاً وأكثر برودة شتاء، نهبط من حرة ظويهر فهناك فان جوخ في انتظارنا وفنان عالمي يمسك بآلة الكمان ليكون مسك ختام لجولتنا، ولكن عطر الزيارة الحقيقي قبل بدء الليلة الموسيقية كان اللقاء مع معالي وزير الثقافة ومحافظ الهيئة الملكية العليل لتطوير العلا سمو الأمير بدر الفرحان الذي كان دائم السؤال عن المثقفين من ضيوف الملتقى وبوجهه البشوش الذي ينضح بالأمل في رسم مستقبل ثقافي جديد ومتميز وبعام مترع بالأنشطة عبر عنه بقوله إن عام 2019 سيكون عام الثقافة في بلادنا، تحاور مع ثلة الأدباء والإعلاميين وقال: أريد أن أسمع منكم عن أفكاركم وآمالكم واستعدنا لقاءه قبل شهرين مع مجموعة من المثقفين وقال: إن ذلك سيكون تقليداً دورياً معكم نتداول فيه ما يعن على بالكم من أفكار لمشاريع ثقافية مقترحة ونرسم فيه خريطة طريق ثقافية تبرز وجه بلادنا الحضاري وقدرة مثقفينا على أن يكونوا أعمدة لنهضة ثقافية قادمة، حين قدمني إلى معاليه الصديق المثقف النادر سلطان البازعي رحب بي وباليمامة فقلت له: إن اليمامة ستوجه بوصلتها الإعلامية إلى الاهتمام أكثر بالأدب والثقافة والفنون وتحتاج إلى دعمكم، أبدى استعداداً نبيلاً للدعم والمؤازرة وكان من المبهج أن يسأل كل فرد منا عما يتطلع إليه في عام الثقافة الحالي، استقبلنا وودعنا بحفاوة النبلاء وخرجنا من لقائنا معه ونحن نعد ساحتنا الثقافية بعام يضج بالفن والأدب وبما هو متميز في الأداء الثقافي الجاد. لم يكن ختامها عطر اللقاء مع سموه فحسب، بل كان حريصاً على حضورنا الحفل الموسيقي الذي أحياه عازف الكمان الفرنسي الشهير «رينو كابوسون»، الذي عزف على مدى ثلاث ساعات متواصلة هو وفرقته الموسيقية أجمل المقطوعات لأشهر الموسيقيين العالميين، أمثال بيتهوفن وباخ وموزارت، تراه وهو يحتضن كمانه بشغف ويشاركه فنان آخر على البيانو، عزف فأطرب وتوقف ثلاث مرات ليحيي جمهوره الذي ملأ مقاعد قاعة العرض في صالة المرايا التي تعتبر آية في جمال البناء والتصميم المخاتل الذي تبدو لك واجهته كلوحة فنية كبرى، بل وكجزء يتماهى مع التكوين الطبوغرافي لطبيعة المكان. الفرنسيون كانوا حاضرين هنا بوفد ضم 70 عضواً يتقدمهم سفيرا فرنسا في المملكة واليمن، ليس هذا فحسب فالبصمة الفرنسية الأنيقة حاضرة في أرجاء المكان سواء في رحلة التنقيب الذي استمرت لعامين أو في تصميم مبنى المرايا الذي كان معلماً لا تخطئ جماله العين. قبل دخولنا إلى قاعة الموسيقى كانت روح الفنان العالمي الراحل فان جوخ حاضرة في المكان ففي قاعة عرض بأبعاد خمسة تعرض كانت لوحات الفنان العالمي تظللنا بلوحته الشهيرة (ليلة النجوم) فتشعر أن فان جوخ كان يتجول معنا منذ بدأنا جولتنا التي انتهت ولم تنته في آن، فالفن لا يموت ولا يغيب حين يجد من يمنحه هذا الحضور النادر والمفاجئ والمدهش بين أشجار نخيل العلا والقلوب التي يجمعها فن راق في بلد لم يخطر ببال فان جوخ أن يزورها أثناء حياته ولكنه حضر في احتفاء جمهور متذوق وإرادة مبدعة من الهيئة الملكية لتطوير العلا أرادت أن تقدم المختلف والمدهش. العلا مدينة العلماء والتاريخ الذي يذهب عميقاً ليتماس مع جذور الحضارات التي ضمتها أرض بلادنا، والعلا مدينة الناس الطيبين الرائعين التي لا ترى من أهلها إلا ابتسامة المحب وكلمات الترحيب ودعوات ملحة بالاستضافة تفيض بكرم علاوي أصيل. حين ضمتنا العربات تحملنا إلى المطار تلفتنا إلى أضواء العلا ونحن نمني النفس بعودة قريبة إليها وكان قلبي يستعيد ويردد بيتي الشريف الرضي: ولقد مررت ُعلى ديارهمو وطلولها بيد البلى نهبُ وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلولُ تلفت القلبُ -------- المرشد السياحي بدر الصبحي: عرفت الطنطورة في سن الرابعة عشرة تفخر وأنت تستمع إلى مرشدي ومرشدات الآثار من أبناء العلا. هنا حديث مع المرشد السياحي بدر الصبحي: r منذ متى بدأت التعاون مع الهيئة الملكية كمرشح سياحي وهل تلقيت دورة ما عن طبيعة العمل؟ - أول عمل كمرشد سياحي كان في صيف 2008 عقب تخرجي من الجامعة بكالوريوس تدريس اللغة الإنجليزية. وكان السبب هو ممارسة اللغة الإنجليزية بالإرشاد للزوار غير العرب، حيث ذلك الحين كنت التقيت بالأب الروحي للإرشاد الأستاذ مطلق المطلق مستشار معالي محافظ الهيئة الملكية بالعلا الذي له الفضل بعد الله في تشجيع المرشدين والمرشدات من أبناء العلا وهو منهل نتزود به للإجابة عن تساؤلاتنا. ولكن بحكم العمل خارج العلا لم أعمل حتى شهر أكتوبر 2018 حين استدعت الهيئة الملكية جميع الراغبين والراغبات في العمل بالإرشاد السياحي. قامت الهيئة مشكورة بعمل برنامج تثقيفي تعليمي لمدة أسبوعين عن الإرث التراثي الموجود في العلا بإشراف الأستاذ أحمد الإمام، حيث تم استدعاء خبراء وأساتذة من جامعة الملك سعود وعلى رأسهم الدكتور سليمان الذييب والدكتور عبدالرحمن السحيباني من كلية الآثار وغيرهم من خبراء في علم الزراعة والجيولوجيا ومحاضرين من المملكة المتحدة. وبعد ذلك برنامج الإسعافات الأولية لمدة أسبوع لأحد أفضل المراكز في الولايات المتحدة الأمريكية. r في طفولتك.. متى عرفت عن الطنطورة وهل حضرت يوماً ما احتفال الناس بها؟ - عرفت الطنطورة «الساعة الشمسية» حين كنت في سن الرابعة عشرة، حيث كان أبي رحمه الله مزارعاً، وفي تلك السنة عام 1995 قام بزرع بذور القمح وكان الطقس بارداً جداً وهي فترة المربعانية (أربعين يوماً). ومنها تعرفت على الطنطورة وأسباب استخدامها. هي ليست لمعرفة وقت دخول المربعانية فقط وإنما تستخدم أيضاً لفصول السنة والري لتوزيع المياه وزراعة المحاصيل الزراعية. لم يعتد الأهالي الاحتفال ولكن السنوات السبع الأخيرة أصبح الأهالي يجتمعون لإحياء هذا الإرث. وإنما كانت العادة منذ ثمانية عقود يكون المُعلم وهو المسؤول عن توزيع المياه وبعض كبار السن يجتمعون فقط لمشاهدة ظل الشمس حين يصل إلى العلم الموجود في الأرض ولا يصل الظل لهذا العلم إلا مرة واحدة في السنة وهو تقريبا 22 ديسمبر. r تجربتك كمرشد سياحي مع السياح غير العرب خاصة وأنت تجيد الإنجليزية.. ما نوع الأسئلة التي يطرحونها.. هل تكون إجاباتك شافية لهم؟ - أكثر السائحين غير العرب يكون لديهم اطلاع ومعلومات عامة عن العلا مملكة الحضارات كحضارة اللحيانيين والأنباط والدولة العثمانية، ولكن أكثر التساؤلات تكون «ما الدلالات أو البراهين التي استند إليها المرشد بأن تلك الجبال المنحوتة هي مقابر وليست مساكن الأنباط» النقوش التي تعلو كل واجهة قام تفسيرها وترجمتها الدكتور عبدالرحمن الأنصاري والدكتور حسين أبو الحسن إضافة إلى الدكتور ليلى نعمي وهي باحثة فرنسية، جاوبت تساؤلاتنا بأنها مقابر وتوجد مساكن الأنباط وبالفعل إجابة واقعية ومقنعة. وفي الحجر وتعمل الهيئة الملكية في التنقيب وعمل الدراسات مع جامعات فرنسية؛ وهذا يعكس اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بالاهتمام بالسياحة والآثار لتحقيق رؤية 2030 للجانب المعرفي والاقتصادي. r ماذا ينقص مواقع الآثار في العلا؟ - ما ينقص مواقع آثار العلا كما ذكرت آنفاً البحوث والدراسات لكنز تحت باطن الأرض وهو آثار الحضارات السابقة، والهيئة تعمل جادة مع البعثات الفرنسية للتنقيب والبحث. الهيئة الملكية لتطوير العلا تعمل الآن ليس فقط مع خبراء فرنسيين، بل من شتى أنحاء العالم من إخصائيين في التنقيب والمسح الجيولوجي وأفضل الإخصائيين من المتاحف العالمية في دراسة المنطقة وتطويرها. -------- اليمامة بين ممثل ومنتج كان الممثل المسرحي والسينمائي المعروف إبراهيم الحساوي والمنتج الأستاذ منصور البكر من أبرز ضيوف شتاء طنطورة، سألتهما اليمامة عن انطباعهما عن الملتقى فقال الأستاذ الحساوي: الحساوي: المكان ملهم لتصوير فيلم أو إقامة أمسية شعرية هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها «العُلا»، التي جاءت بدعوة كريمة من الهيئة الملكية بالعُلا لحضور فعاليات «شتاء طنطورة». كنت أشاهد المعالم الأثرية التي تتمتع بها «العُلا» في الصور إلى أن جاء «شتاء طنطورة» وذهبنا بمعيّة جمع من الزوار والأصدقاء. منهم الأستاذ سلطان البازعي والمنتج منصور البكر والروائية زينب الخضيري والموسيقي خليل المويل. الرحلة أيضاً كانت تضم فرقة موسيقية من البنات الشابات يتدربن على آلة الكمان وعلى حسابهن الخاص. طلبت من إحداهن أن تعزف لنا شيئاً من الموسيقى على الكمان. مدهش ومفرح أن ترى منظراً غير مألوف، فتاة سعودية تحمل آلة موسيقية خلف ظهرها. قلتُ ذلك لإحداهن معبراً فيه عن فرحتي لهن. ورويت لها كيف كان موسيقي ذاك الزمان يهرّب «آلة العود» يلفها بقطعة قماش أثناء دخول البيت أو الخروج. حدث هذا من سنوات. أثناء الجولة وتحديداً عند وقوفنا في «ديوان جبل أثلب» يسألني الشاعر عبدالله الصيخان عما إذا كنت أفكر في إنتاج أو تصوير فيلم سينمائي في العلا وفي مدائن صالح تحديداً.. قلتُ له بطبيعة الحال المكان ملهم لصناع الأفلام والمسرحيين والأمسيات الشعرية والموسيقية. في المساء ذهبنا إلى «مسرح المرايا»، حيث حفلة عازف الكمان الموسيقار الفرنسي «رينوكابوسون» استقبلنا المنظمون بكل حفاوة وتقدير، ثم كان في استقبالنا معالي وزير الثقافة الأمير الشاب «بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود» الذي يقف وراء هذا المهرجان «شتاء طنطورة» يشرف ويتابع كل صغيرة وكبيرة وهو أيضاً وراء تطوير مدينة «العلا» وآثارها. في الختام ينبغي علي أن أشير إلى المرشدين والمرشدات في السياحة من أبناء البلد، حيث أخذونا في جولة وشرحوا لنا هذه المعالم الموغلة في القدم. شباب وشابات يتمتعون برحابة صدر عالية، وحسن التنظيم والاستقبال الذي بدأ منذ لحظة وصولنا لأرض المطار. وإلى الدعوة الكريمة التي تلقيناها من وزارة الثقافة والهيئة الملكية بمحافظة العلا. شكراً على هذا الجمال. انتهت الزيارة لكن أثرها لم ينتهِ. البكر: من الواجب أن تضم مناهجنا الدراسية معلومات عن آثارنا أما المنتج الأستاذ منصور البكر فقد قال: هذه هي زيارتي الثانية لهذه المنطقة الغالية من بلادنا، وقد كانت زيارتي الأولى قبل 15 عاماً وكانت المواقع الأثرية في حال يرثى لها من الإهمال والافتقار إلى المعلومات التي تثري ثقافة الزوار، بل إنها كانت منطقة منسية ومغيّبة عنا، وكان من الواجب أن تضم مناهجنا الدراسية معلومات عنها، إن هذا المتحف الطبيعي المفتوح يجسد ثراء أرض بلادنا وما تكتنزه من كنوز طبيعية نفخر بوجودها، ولقد انتشيت في جولتنا لهذه المعلومات التي قدمها لنا أبناء وبنات العلا من مرشدي ومرشدات الموقع، وأحسست بالفخر لوجود هؤلاء الشباب الذين أثروا ذاكرتنا بما لم نكن نعرف عن العلا وآثارها. إنني من هنا أدعو أبناء وطني إلى زيارة هذه المنطقة، وأقدم امتناني للهيئة الملكية لتطوير العلا التي أتاحت لي هذه الفرصة لزيارة المنطقة. ------- مبنى المرايا: تحفة فنية تتماهى مع طبيعة المكان اليمامة خاص: يعتبر مبنى «مرايا» امتداداً للبيئة من حوله يتكامل معها من حيث التصميم والجمال، كما يضم مسرحًا شاملًا مجهزًا بأحدث تقنيات الصوتيات والإضاءة، إضافة إلى الستائر الخلفية المتحركة التي تظهر جمال جبال العلا أمام أعين الحضور. وقد تم استخدام أحدث تقنيات الإسقاط الضوئي الرقمي لسرد قصة تاريخية تراثية مرئية على المسرح نفسه. ويتسع مبنى «مرايا» لنحو 500 ضيف، إلى جانب منطقة خاصة لكبار الشخصيات وصالة عرض لأهم الفنون العالمية، مثل الفنان الهولندي فنسنت فان جوخ، ومنطقة استقبال الضيوف وغرف استعداد الفنانين وفرقهم قبل الصعود إلى المسرح والتفاعل مع جماهيرهم. وصمم المبنى المهندس المعماري «ماسيمو فوغلياتي» والمصمم الإيطالي «فلوريان بوجي» من فريق استوديو «جيو فورما» العالمي. وصُمم المبنى على شكل مكعب ضخم مغطى بالمرايا من جهاته الأربع، وذلك ليعكس روعة الطبيعة المجردة والخلابة من حوله وفضول الإنسان عبر التاريخ لاستكشاف الطبيعة من حوله. وبذلك، لن ينافس مبنى «مرايا» جمال بيئة العلا، بل سيعكسها ويبرزها مع تقديمه تجربة أكثر فريدة للضيوف توحدهم مع البيئة البكر من حولهم. وقد استقبل مسرح مبنى «مرايا» خلال عطلة نهايات الأسابيع أمسيات فنية أحياها فنانون عريقون ممن تركوا بصمتهم في مجال الفن عربياً وعالمياً، حيث دشن أولى حفلات شتاء طنطورة فنان العرب محمد عبده، تلته الفنانة العربية ماجدة الرومي وعرض «هولوغرام» تجسيمي لأم كلثوم والموسيقار عمر خيرت والمايسترو الإيطالي أندريا بوتشيلّي والملحن اليوناني ذو الإحساس المرهف ياني واختتمت ليالي المهرجان بحفل عازف الكمان الفرنسي رينو كابيسون وعازف البيانو الصيني لانج لانج، الذين أبهروا الجمهور الحاضر بأدائهم اللافت وإحساسهم الفني. ===== فان غوخ يحضر شتاء طنطورة اليمامة خاص: هذا العرض هو عبارة عن ابتكار بصري وصوتي يضم الإنتاج الهائل للفنان العالمي فنسنت فان جوخ؛ الفنان الذي عاش ومات فقيراً وترك ثروة فنية تم اكتشافها بعد رحيله وتعبر لوحاته عن معاناة عبقرية في الرسم، من خلال رحلة مشوقة تخوض في عالم الفنان الداخلي. والقوة التعبيرية الواضحة في كثافة اللون وحدة نظراته الثاقبة، وهي انعكاس للنفس المتألمة التي يعبر عنها بقوة ضربات الألوان وكثافتها. في المعرض المتحرك تستطيع استكشاف الأسلوب الفريد للفنان، مستحضراً عالمه العشوائي، الفوضوي والشاعري في آن.
مشاركة :