رحيل ابن المحرق جاسم مراد

  • 1/14/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع خبر وفاة الصديق «بوصلاح» جاسم مراد عادت لنا-نحن أصدقاءه ومعارفه- ذكرى اللقاء به صباح كل جمعة في مجلس رفيق دربه علي ربيعة بالمحرق، ففي ذلك المجلس كان «بوصلاح» يناكف أصدقاءه من القوى الليبرالية والتقدمية واليسارية والنقابية وآخرين منهم ممن أغوته الطائفية حتى أصبح مذهبيًا أكثر من علماء الدين وخطباء المنابر!، تحليلاً وتفصيلاً وشرحًا، فهناك من يستمع ويقبل وهناك من يعاند ويرفض، ويكاد يزعل ويرى ذلك في وجهه اذا قاطعه أحد قبل أن يكمل حديثه. المرحوم «بوصلاح» كان من القرّاء للصحف الورقية بنهم شديد، لذا يأتي بنسخ مصورة عن بعض المقالات المهمة ليوزعها على الحضور من أجل رفع مستواهم الفكري والثقافي، ولا أكتم سرًا أنه يخبئ لي نسخة خاصة يدسها في يدي بكل هدوء وهو يقول: «هذه لك، اقرأها بعدين»، ويجلس في مكانه المعهود بالقرب من صديقه علي ربيعة ليطرح رؤاه وفلسفته ويسقط خبرته في الكثير من القضايا، والتي أحيانًا كثيرة يختلف فيها مع الحضور، لذا يعاكس الكثيرين من رفقاء دربه وأدعياء السياسة لمواقفهم الطائشة وغير المحسوبة، لذا كان صوته مختلفًا باختلاف آرائه ومواقفه. والغريب أن ذلك الاختلاف لا يجعل حالة من الجفاء بينه وبين المختلفين معه، فتراه يستقبلهم في مجلسه الاسبوعي مساء الأحد بمنطقة القفول بكل رحابة صدر وبشاشة وجه، فيقيم لهم مأدبة الغداء في العيدين (الفطر والأضحى) في لقاء لا يقل عن مائة شخص، وكنت أزوره كذلك مساء الثلاثاء في بيته بـ«فريج المعاودة» بالمحرق حيث يجتمع في بيت عائلته مع أخيه المهندس علي مراد بحضور أبناء المنطقة من كبار السن. وعند الحديث عن المرحوم جاسم مراد نجد أنه قد ولد جنوب المحرق، تحديدًا «فريج المعاودة» في العام 1930م بالقرب من مسجد المعاودة ويعرف بمسجد مراد، ودرس في مدرسة الهداية الخليفية ثم في مدرسة بشرق المنامة، وهذا العمر الذي ناهز التسعين عامًا كفيل بأن يصقل رجلاً له الكثير من المعارف داخل البحرين وخارجها، لذا كان المرحوم «بوصلاح» يدعو للعلم والثقافة والقراءة والاطلاع، ويرفض بشدة البدع والخرافات ويعتبرها من أسباب تأخر الشعوب والمجتمعات. جاسم مراد -رحمه الله- عاصر الحركة النضالية في البحرين منذ بداياتها، فقد شهد تأسيس هيئة الاتحاد الوطني التي طالبت بمجلس تشريعي منتخب، وشهد الحركة العمالية في العام 1965م بسبب البطالة، وكان له دور بارز في التصدي للمطالب الايرانية في العام 1970م حين كان رئيسًا لنادي البحرين بأن قال مع أعضاء النادي عبدالرحمن جمشير وراشد العريفي: «نحن شعب عربي يدين بالإسلام»، وعلى إثر هذه الشهادات أعلنت الامم المتحدة استقلال البحرين وعروبتها. ولهذه المواقف الوطنية الصادقة، ورفضه للتحزب المذهبي والطائفي وخروجه من المناطقية الضيقة تم انتخابه في العام 1973م عن دائرة حالة بوماهر لعضوية المجلس التشريعي، إلا أن أول تجربة برلمانية لم تستمر طويلا فقد تم حل البرلمان في أغسطس 1975م لأسباب سياسية. إن كلمة الحق والرأي الحر هو ما ميز المرحوم «بوصلاح» فكثيرا ما كانت له الآراء المستقلة، خاصة حين يكون في مجلس سمو الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، فكان الامير خليفة يستمع له ويحترم آراءه، فيثني عليها لما فيها من صواب. برحيل جاسم مراد تكون البحرين قد خسرت سجلاً تاريخيًا حافلاً وخبرة سنوات طويلة في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية، بل خسرت قلبًا وطنيًا صادقًا حتى لو اختلف معه الكثير، رحمك الله «بوصلاح» وأسكنك فسيح جناته.

مشاركة :