مخاتلة (إلى أين يمضي اليمن؟)

  • 2/9/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لم يعد هناك يمن، أو هو على وشك أن يفقد الدلالة السياسية والجغرافية لهذا الاسم، بعد أن فرض الحوثي واقعاً جديداً مليئاً بالألغاز والحيرة. ما حدث في صنعاء ليس جديداً، فالانقلاب الحوثي يدخل شهره الرابع، والتطورات الأخيرة مجرد تنويع على الصورة الأساس التي وقف الجميع يراقبها معتمداً على اثنين كانا بوابة الخذلان: عبدربه منصور هادي وجمال بنعمر، اللذين أفردا عباءة شرعية لاتفاق السلم والشراكة وما تلاه من قرارات، ليصبح وجود الحوثي حقيقة وسلطة متفردة، ولا يزال الأخير يمارس نشاطه معلناً ضعف المجتمع الدولي وانكسار هيبته، وسعيه إلى جمع الأطراف حول الحوثي وتخفيف حدة الخلاف معه، وكلما طال بقاؤه ترسخت سلطة الحوثي على رغم موجة الانتقادات والرفض التي هاجمت الانقلاب بأشد العبارات وأقواها. في «حرب الثعالب» تغلب الحوثي على خصمه أو حليفه علي عبدالله صالح وخدعه وهو سيد الاحتيال، فلم يعد يعرف أحد من يدير خطوط اللعبة ومن يملك المفاتيح؟ فالتحالفات متشابكة ومعقدة، فضلاً على كونها سريعة التحول والتبدل. لن يخرج الحوثي من صنعاء ولن يتنازل طوعاً عن مكتسباته المتوالية التي أدهشته قبل الآخرين، فمنذ اقتحامه صنعاء في 21 من أيلول (سبتمبر) وهو يسير على طريق ناعمة من دون أية مقاومة، وكأنه قدر لازم لا يمكن الخلاص منه، وربما كان الذنب في مقاومته. كل القوى التي أطلقت تهديدات سابقة بالمقاومة تبخرت، وعلى رغم كل الاعتراضات الدولية، باستثناء إيران، سيشكل الحوثي حكومة على مقاسه، ظاهرها وطني متنوع، وقد يفاجئ الجميع بالمتحالفين الجدد الذين كانوا خصوماً. سيبقى الحوثي في صنعاء، لكن اليمن سيصبح يمنات كثيرة، وهو أمر لا يسوؤه، حالياً، فهو غير قادر على التمدد في كل الاتجاهات، لذلك سيكون البلد عبارة عن أقاليم شبه مستقلة تعتمد في قدرتها على الصمود عبر نوعية تحالفاتها وقوة تماسكها، أبرزها وأقربها إلى صورة الدولة هو الجنوب الذي قد يحصل على اعتراف دولي إن طالت الأزمة وتعقدت الأجواء، بينما سيمنح الحوثي مناصب براقة شكلاً لفئات مهمشة وقوى مغيبة تعيش على ثارات سابقة وتنتظر وقت الانتقام، ما يدخل اليمن في موجة حروب لا يحتملها بلد لم يعد يجد السعادة سوى في التاريخ. الحوثي حركة مذهبية وليس حزباً سياسياً، ولا يمكن أن يتراجع سوى بالقوة والمواجهة من الداخل، ولعله - الآن - يصطدم فعلياً مع قوى استكانت طوال الفترة الماضية، فهل سيبقى العالم مراقباً ومتابعاً فقط؟ عملياً لا يوجد سوى الحصار، فالحوثي لا يعترف بالمجتمع الدولي بعد أن خدعه بما يسمى «اتفاق السلم والشراكة»، وهو غير مهتم بموجة النقمة ضده، لأنه مشغول بالبحث عن بديل يضفي عليه صبغة الوطنية ويوفر له مرونة التحكم بالمفاصل داخلياً. الفائدة الوحيدة لموجات الغضب أنها قد تعرقل حركة الحوثي واستكمال خريطته على الأرض، وهو الوضع الذي قد يعيد ترتيب الأوراق، لكن ما الذي سيحدث حين تعترف إيران ودول أخرى بحكومة الحوثي؟ وما الذي تستطيع دول الخليج فعله؟ وما فائدة المبعوث الدولي؟ هذه أمور مرهونة بأيامها، لكن، إن ساءت الحال فليس أمام السعودية سوى إغلاق حدودها وسحب ممثليها ورفع درجات العقوبات الدولية، خصوصاً أن بيان مجلس التعاون قوي من حيث المبدأ، إلا أن «الإجراءات الضرورية» التي أعلنها غير معروفة حتى الآن. تشخيص المشهد اليمني مثل محاولة تحديد مكان قطار مسرع، لكن المؤكد أن لدى السعودية أوراقها التي لم تلعبها بعد، فهي لا تستطيع السيطرة على القطار، لكنها تتحكم في مفاصل السكك التي يسير عليها.

مشاركة :