ثلاثة علاجات حاسمة حين تفشل كل الخيارات الأخرى: الكي والبتر والسعودية. مستويان متباعدان انتصرت فيهما الرياض في يوم واحد، جاءت السويد معتذرة عن خطيئتها بعد أن واجهت حملة صلبة غير مسبوقة، فكان الرد السعودي تسامحاً وكرماً، فأعادت سفيرها مباشرة لأن العودة عن الخطأ يقابلها العظام بالتجاوز عما مضى، وإن أدرك العالم أجمع أن أية كلمة توجه إلى السعودية يجب أن تدرس جيداً، قبل أن يكون الناس حصاد ألسنتهم. مع اكتمال هذه المهمة كانت مهمة أخطر وأمضى عزماً تتمخض، حتى لا تتباهى طهران بأنها ضمت صنعاء إلى قائمة العواصم العربية الخاضعة لها. «عاصفة الحزم» ليست مجرد عملية عسكرية تؤدب الحوثي وعلي صالح، وتبعث برسالة صارمة إلى طهران أن الأرض العربية ليست ميداناً للتمدد ولا مجالاً لفرض الخراب والتدمير، بل هي صورة معنى الشراكة العربية التي ظن الجميع أنها صفحة من الماضي، هي القدرة على تحويل الشتات العربي إلى قوة عسكرية متضامنة، هدفها صيانة الأجزاء السليمة من الجسد العربي، والعمل على إنقاذ البلدان الأخرى من مصير قاتم تحمله السحب السود لـ «الربيع العربي»، هي عاصفة تكنس كل أعاصير الخراب والدمار، وتقشع كل غمامة تحجب الشمس وتفرض الظلام. «عاصفة الحزم» تحفة فنية مدهشة من الدقة في التخطيط سياسياً وعسكرياً، وحزم السطوة إن اختنقت الحناجر وضاع صوتها، هي الجواب الذي تراه من دون أن تسمعه إن اتشح الخصم بالغرور، وتيقن أنه المتحرك الوحيد، فلا يكون ثمة حل سوى العاصفة التي تكتسح كل الجرائم والتعديات لتعيد راية الحق والكرامة. السعوديون فخورون بالملك سلمان ورجاله أهل العوجا حد النشوة، فخورون بعروبتهم التي كاد يتلبسهم الشك في وجودها، معتذرون عن يأسهم وسوء ظنهم في أن لا أمل بالمجابهة والردع. كثيرون منهم كانوا يشعرون بالذلة والضعف فلا يملكون سوى النواح، حتى جاءهم فجر الخميس فعلاً لا قولاً، وحقاً يشق جذور الشراب وينسف النوايا السيئة، فكان مثل الدواء الذي قضى على المرض المستعصي، وأعاد الصحة لتكون تاجاً وانتصاراً، ليس السعوديون وحدهم الذين تسربلهم الفخر، بل كل العالم الإسلامي الذي قذف المقاعد الخلفية، وتسلم الراية بعد أن سرت شرارة «عاصفة الحزم» في أوصاله فأيقظت روحاً يائسة، وأشعلت شمعة سحرية لا ينطفئ ضوؤها ولا يخنقها ظلام. أنجزت السعودية المستحيل، وأربكت العالم أجمع بخطوتها الشـــجاعة، فهي لم تكن مترددة أبداً، إنما حلمها طويل، فلقد مدت حبال الصبر طويلاً وتسامحت كثيراً، فلما غلّقت الأبواب سحبت حبل صبرها، فتكون فخاً يتساقط فيه الأعداء والمتربصون، ولوت عجينة الكماشة المطبقة عليها لتعكس أسنانها على حامليها، لتقصم أيديهم وتعمي أبصارهم فلا بصائر لهم. الملك سلمان ليس فخر السعودية فقط، بل العالم الإسلامي بأجمعه، فهو الوحيد الذي استطاع أن يهمش الفروقات ويصنع التلاحم، مؤسساً لأول وأعظم تحالف إسلامي نابع من ذاته وقائم بنفسه. وهو أدهش العالم وحصد تقديره واحترامه حين تسلم زمام المبادرة عندما وجد أن الوعود والكلمات تقتل اليمنيين أكثر، وتدفع العالم الإسلامي إلى التمزق والضياع، فضمد الجرح النازف وضرب رأس الأفعى. في قمة شرم الشيخ، تُصنع حال جديد للعرب مدارها القوة والتعاضد، وللمرة الأولى اتفق جمهور العرب أن قمتهم ليست بيانات معلبة، بل خطوات عمل انطلقت بشائرها وستتوالى خطواتها، فهل بعد ذلك من فخر؟
مشاركة :