علاء الأسواني: هل يقترب المصريون من الاختيار الثالث؟!

  • 1/15/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في هذا المقال* يطرح علاء الأسواني السؤال حول ما إذا كان المصريون يقتربون من الاختيار الثالث، ويوضح ما هو هذا الاختيار. منذ سنوات تعاقدت في عيادتى الخاصة لعلاج موظفي أحد البنوك الاستثمارية. كانت المرتبات في هذا البنك مرتفعة جدا ويتم صرفها بالدولار، مما جعل كل موظف حريصا للغاية على عمله وكان مدير البنك يتميز بالغطرسة والوقاحة وسلاطة اللسان. كان يستمتع بإهانة الموظفين بمناسبة وبدون مناسبة لدرجة أنه كان يشتم كبار الموظفين أمام مرؤوسيهم. كان الموظفون يكرهونه، لكنهم يستسلمون لوقاحته حرصا على مرتباتهم الضخمة. ثم تم تعيين أستاذ اقتصاد مرموق كمستشار للبنك وكان حاصلا على الدكتوراه من جامعة هارفارد العريقة وفي اجتماع حضره المستشار خاطبه المدير كالعادة بوقاحة قائلا: ــ والله يافلان باين عليك ما بتفهمش أى شيء عندئذ نهض المستشار من مكانه وقال للمدير: ـ أولا أنا اسمي الدكتور فلان. ثانيا عندما أتكلم في الاقتصاد يجب أن تصمت وتسمع حتى تتعلم. ثالثا إذا كنت تهين الناس مقابل المرتب الكبير، فانا مستقيل. قدم المستشار استقالته وغادر البنك. أعجبني كثيرا هذا الموقف الشجاع من المستشار، لكن الغريب أن معظم الموظفين لم يشاركونى هذا الإعجاب، بل إنهم هاجموا المستشار وقالوا إنه مغرور لأنه ثرى جدا ولا يحتاج إلى المرتب بل إن بعضهم  تناسوا وقاحة المدير واتهموا المستشار بقلة الأدب، لأنه تحدث بطريقة غير لائقة مع مدير البنك. في عام 2003 حضرت بالصدفة الحفل الذى أقامته وزارة الثقافة لجائزة الرواية العربية وقد منحتها للكاتب الكبير صنع الله ابراهيم الذى أعلن في تلك الليلة  رفضه للجائزة وألقى بيانا قال فيه: " لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب، لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل، تفشى الفساد والنهب، ومن يعترض يتعرض للامتهان وللضرب والتعذيب. وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، ــ  لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته" دوى التصفيق في القاعة وسادت حالة من الحماس وذهبت مع كثيرين لمصافحة صنع الله ابراهيم تحية له على هذا الموقف الشجاع، لكننى قوجئت بعد ذلك بحملة في الصحف ضد موقف صنع الله ابراهيم، اشترك فيها مثقفون معروفون يتهمونه فيها بعمل حركات مسرحية واصطناع زعامة فارغة.  انزعجت من هذه الحملة وعندما عاتبت روائيا شهيرا على اشتراكه فيها فوجئت به يقول: ــ هو صنع الله ابراهيم عامل بطل وقصده إننا كلنا أدوات للنظام الفاسد؟ كان هذا الكاتب فعلا من أكبر المنافقين للنظام وكان يتودد لسوزان مبارك بكل طريقة. استرجعت هاتين الواقعتين وانا أحاول فهم موقف بعض المصريين من ثورة يناير. الأغنياء وأصحاب النفوذ ورجال الأعمال الفاسدون وأعضاء الطبقة السياسية الحاكمة، كل هؤلاء من الطبيعي أن يكرهوا الثورة ويحاربوها دفاعا عن امتيازاتهم وثرواتهم وحياتهم المريحة. الإخوان المسلمون الذين قفزوا على الثورة وخانوها وتواطأوا مع المجلس العسكري حتى يصلوا إلى السلطة، من الطبيعي أن يكرهوا شباب الثورة الذين رفضوا حكم المرشد في 30 يونيو، لكن الغريب أن يقف مصريون فقراء ضد الثورة التى قامت بالأساس دفاعا عنهم. لماذا يكرهون الثورة ويلعنونها ولا يعترضون أبدا عندما يرون نظام السيسي ينكل بآلاف الشباب عقابا لهم على اشتراكهم في الثورة؟ لماذا يصدقون أكاذيب إعلام المخابرات عندما يتهم شباب الثورة بالخيانة، بينما لا يصدقون نفس الإعلام إطلاقا في موضوعات أخرى؟ إن الأبطال قليلون في أى مجتمع، أما معظم الناس فليسوا أبطالا وإنما بشر عاديون لهم أهدافهم الصغيرة المشروعة في الحياة. إنهم يريدون تربية أولادهم ويحلمون بزواج مشرف للبنت وعقد عمل مجز للابن. هؤلاء الناس العاديون سيتواءمون مع أي نظام مهما كان قمعيا أو فاسدا لتحقيق أهدافهم الصغيرة. هكذا كان مصريون كثيرون عندما قامت الثورة ففوجئوا بشباب في سن أبنائهم لهم أهداف مختلفة في الحياة ومستعدون للموت من أجل الحرية والكرامة. هؤلاء المصريون كرهوا الثورة أولا لأنها تحرجهم  أمام أنفسهم، إذ تؤكد لهم أن إذعانهم للقمع لم يكن الاختيار الوحيد المتاح بل كان بإمكانهم أن يدافعوا عن كرامتهم كما يفعل هؤلاء الشباب وثانيا لأن الثورة تخرجهم من دائرة الحياة المحسوبة التي يعرفونها إلى المجهول. كانوا يعرفون تماما كيف يتصرفون في نظام مبارك، فجاءت الثورة لتفرض واقعا جديدا غير مستقر لا يعرفون عنه شيئا. إن بعض المصريين المتوائمين مع النظام القديم كرهوا شباب الثورة تماما، كما كره موظفو البنك المستشار الذي رفض الإهانة وكما كره بعض المثقفين الموقف الشجاع لصنع الله ابراهيم. هذه الكراهية لن تدوم طويلا لأن المصريين الذى رفضوا الثورة جربوا اختيارات أخرى،  لكنها فشلت جميعا. بعض المصريين صدقوا الإخوان المسلمين وتمنوا أن يصلحوا الدنيا بالدين كما يقولون، لكنهم اكتشفوا أنهم سياسيون انتهازيون يريدون لمصر أن تكون إمارة إسلامية يحكمونها إلى الأبد. ثار المصريون في 30 يونيو ضد حكم الإخوان، ثم حاولوا بعد ذلك استعادة نموذج الحكم الذي يعرفونه: حاكم عسكري قوى يستعيد الأمن ويقمع المعارضين، لكنه يلبي الاحتياجات الأساسية للشعب. بعد خمس سنوات من حكم السيسي، تبين للمصريين أنهم يزدادون فقرا ويعانون بشدة وإذا اعترضوا فليس لدى النظام إلا العصا الغليظة. هنا تعلموا أن من يتنازل عن حريته من أجل لقمة العيش سيخسر الحرية ولقمة العيش معا. هل يقترب المصريون من الاختيار الثالث؟ مشروع الثورة، النضال السلمي من أجل دولة ديمقراطية لا دينية ولا عسكرية ؟ أظنهم أقرب اليه من أى وقت مضى. الديمقراطية هي الحل   draswany57@yahoo.com *المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

مشاركة :