القلب.. سيد الرؤية - نجوى هاشم

  • 2/10/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

منذ طفولتي تمازجت ذاكرتي مع بعض المصطلحات التي ظلت معي ولم أتخطاها.. وكأنها ميراث يقيم على سطح تراكمات الواقع.. المصحوب أحياناً بالثبات رغم استمرار دوران كل ما حولنا..! "قلبي وجعان"أو "قلبي يوجعني"أو "قلبي ينغزني".. ونحن أطفال لم نكن نستوعب ماذا يعني أن يوجعك قلبك وأنت تتحرك وتمارس طبيعتك الاعتيادية.. على اعتبار أن الوجع أو الألم مرتبط بالسرير والنوم عليه فكيف لأحد أن يقول وهو في كامل صحته أن قلبه وجعان.. أو تقول سيدة إن " فلانا أو فلانة وجّع قلبها"أو إن حادثاً ما تسبب في وجع القلب الذي تعانيه.. ترد عليها سيدة أخرى بأنه لاينبغي عليها أن توجع قلبها أو تتعبه أو تؤلمه.. حتى وإن كان هناك مايستدعي ذلك..!! لا أعرف لماذاترسخت معي عبارة "قلبي وجعان" لكثيرمن السيدات وكنت أحللها وأصل إلى مفهوم طفولي لايستوعب العبارة داخلياً ويشّرحها ظاهرياً بأن هذه المرأة لاتشتكي من شيء فهي لاتمسك بقلبها حتى تدّعي أنه يوجعها أو تتألم منه.. خاصة أن مفهوم الألم في الطفولة يرتبط بأن تُمسك بمكان الوجع كبطني يؤلمني مثلا ًوكان ذلك طريق هروب بعض البنات من الواجب الذي لم تقم به أو للعودة إلى المنزل.. فقط كان ذلك.! عندما كبرت لم تعد "قلبي يوجعني"هي المفردة التي استهوتني فقط ولازمتني بعد أن تفهمت معنى القلب كعضو جسدي مؤثر في الجسم وخلل وجعه يربك كل الجسم.. لكن كانت تلك الشكوى البريئة لاتعني وجع القلب وحاجته للعلاج أو التطبيب ولكنه إحساس نفسي مرتبط بوجع الذاكرة أو ألم العقل أو تداعيات الهموم.. أو تراكمات أوجاع الزمن وكلها تنزلق كما تشعر تلك المرأة إلى القلب.. تحاصره وتستكين في داخله.. ربما هو وجع من نوع خاص لاتستطيع المرأة البسيطة التعبير عنه أو شرحه ولكنها في لحظات الضيق وضغط الحياة وازدياد الهموم تُحيل كل ما تشعر به إلى القلب الوحيد الذي تعرفه جيداً وتعرف مكانه في الصدر فتؤشر عليه بأنه يوجعها.. وكنت ألحظ أن من تستدعي قلبها لتودع لديه كل أوجاعها تشعر بالراحة كونها وجدت من يحمل عنها كل شيء.. والطريف أن بعض صديقاتها يستشعرن الوجع وكأنه عدوى وبالتالي قد تجد واحدة تقول "لاتشكي على من يبكي" كلنا قلوبنا موجوعة.. أو يتفق الجميع على عدم الضغط على فلانة لأن قلبها يوجعها ويكفيها ما بها..! والسؤال هل القلب يوجع حتى وإن كان صحيحاً طبياً وليس به عطب، أم أننا نحن من نستدعيه كفزعة ليحمل عنا أوجاعنا الحقيقية والنفسية والتي لابد أن ترتكن إلى زوايا أخرى من أجسادنا بعضها مرئي وواضح وبعضها من الصعب تلمسه أو استيعاب طريقة تحركه في أجسادنا.؟! يقول جونسون "بالقلب وحده تستطيع أن ترى الأشياء على حقيقتها" وهذا يعني أن الرؤية بالعين تعطيك الصورة الاعتيادية لكن القلب هو من يُجرّد الصورة من أسلحتها الجارفة ومايمكن أن تُصّدر لك من تأويلات غير صحيحة.. ويفتح لك أبواب الحقيقة والواقع للصورة والأشياء بل وما يمكن أن تستشرف معه بضمانات إحساسه هو كونه "سيد الرؤية"ومركز الإشارات الإيجابية.. والمنفتح على الصورة والمقاتل بهدوء ليمنحك الأمان.. بأحكامه التي ينبغي أن ترتضيها.. في لحظات سلمه الباعثة على طمأنينة جميع أعضاء جسدك..!! لايمتلك قلبك سواك وبالتالي هو من بإمكانه الانحراف ومن ثم العودة مرة أخرى مهما مرت عليه لحظات انغمس في فوضى غير محسوبة ولكنه يعود بالكثير من الحذر والاطمئنان عليك.. ودون خيارات مهما حمّلته من الضغوط..! "أسوأ السجون قلب مغلق" هذه العبارة القاسية تفند جزءا كبيرا من مفهوم ارتباط القلب بكل أوجاعنا وانفتاحه عليها أيضاً.. خاصة أن الإنسان لايختار قلبه ولايبحث عن الرياح التي تقتلعه ولا يأسر نفسه متعمداً ليحكم القلب بأحكامه عليه.. لأن طبيعة الإنسان السوي أن يكون قلبه منفتحاً منصتاً.. يُجيد الصمت تارة وأخرى التماس الحياة.. والقفز لمعرفة الطريق.. وملامسة الشمس والمزج بين أن تحيا وأن تترك قلبك هو من يرى ويخترع الطريق هي الأصعب ولكن مع كل ذلك.. ثمة حياة واحدة فقط هي أن تحيا داخل حياتك ومع قلبك بمشاعرك وأوجاعك.. وحقيقتك وأحلامك.. تحيا بقلبك لأنه هو من يحقق العدالة برؤيته ورحمته وقراءته الواضحة والإنسانية والتي تتمازج مع الروح وأوتار الأمل والوجع أيضاً لكن في المحصلة تشعر معها أنك حي وإن أخفقت في معرفة كيفية إيقاف الوجع.!

مشاركة :