الرؤية العادلة - نجوى هاشم

  • 6/7/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ترى العيون المحبة أفضل ما في البشر.. وترى العيون الغاضبة أسوأ ما في البشر.. وترى العيون المتحاملة ما ليس في البشر.. بل قد تخترعه وتؤمن عليه.. أما العيون التي لاتعرفك.. أو لاتعني لها شيئاً.. فقد تكون إما حيادية.. وترى بالعقل.. ما هو موجود فعلياً.. أو لاترى شيئاً.. لأنّ الأمر لايعنيها ولأن الحدث أو الشخص لا يشكّل لها أهمية..! في مواقف صغيرة عابرة في الحياة قد تسمعين إحداهن تقول هل شاهدتِ فلانة.. تخنت.. أو زاد وزنها.. بعيداً عن نوعية العلاقة التي تجمعها بها فقد تكون معرفة حميمية وقد تكون عادية أو زمالة.. بدون اهتمام تقولين: لا لم أنتبه أو أركز أو يلفتني الأمر.. رغم أنكما معاً شاهدتما الصورة بنفس الوقت وبالمدة الزمنية كاملة.. ولكن واحدة منكما لم يلفتها شيء.. هل لأنّ الأمر لايعنيها؟ أم لأنها تتعامل مع الأشياء بهدوء وعدم تدخل في التفاصيل الصغيرة؟ والأخرى تنبهت لشيء لم يبدُ ظاهراً بصورة ملحوظة ولكنها ركزت عليه هل لأنها محبة لهذه الإنسانة؟ أم أنها تراقبها وتتابع تفاصيل حياتها وتهتم بها؟ أو أنها اعتادت على النظر بأحاسيسها كاملة وتجميع ملامح الصورة لفرزها بعد ذلك.. وتحليلها! هي العيون تعمل طبقاً لنظامك وليس لنظام من تنظر إليه أو التقيته.. وهي من يدير الصورة بشكل صارم ربما يفتقد العدل أحياناً! يقول أحدهم "لاتستخدم عينيك بالنظر إلى الأشياء فقط.. حتى تراها بشكل مختلف.." ربما يقصد أنّ العيون جزء فقط من المشاهدة وليست كل المشاهدة.. فالعقل والقلب يشتركان في النظر..لأنهما من يحدد الصورة الحقيقية ويشرحها ويفصلها.. ذلك أن العيون ترتبك بسهولة في النظر وبالذات لمن يحبّون أو يكرهون.. فهي تعطي الحكم الأولي السطحي باقتدار انتظارا لشرح الصورة حسب معطياتها.. وأحياناً ترى شيئاً ما وتشعر أنك غير مرتاح له أو لم يعجبك أو لم يصل إليك وتشعر أنّ هناك شيئاً ما يحول بينه وبين الوصول إليك.. مع أنّ الصورة عادية ومَن حولك يقولون إنه لا يوجد ما يدعو للتشكك.. لكن أنت فقط تراها بشكل مختلف من الوهلة الأولى لاشتراك حواسك في النظر.. ولطغيان إما القلب وهو الجزء العاطفي أو العقل وهو الجانب الأكثر رزانة..! لاتخطئ العيون القراءة وإن أخطأت تحت تأثير العاطفة أو بسبب آخر تحاول أن تقنعها به إلا أنها تتنبه مستقبلاً لهذا الخطأ وتعاود تصحيحه.. خاصة أنّ العقل أو القلب هو الموجه الأول للعيون وهي دائماً على استعداد للطاعة.. لأنّ الهيمنة العقلية أو العاطفية هي التي تمنحها التوجه لرؤية أفضل ما في الناس أو أسوأ ما فيهم.. وكأنّ هذه الحواس هي القائد الموجه والراسم لخطوات العيون..! تنظر برؤية قد تأخذك إلى عوالم أخرى لم يرها أحد من قبلك لكن هل هذه العوالم حقيقية؟ أم أنّ نظرتك هي من اخترعها وقررّ صورتها ونزع عنها كل شوائبها وانتمى إليها كصورة صافية ونقية تدين للعيون بتشكيلها، ولا دخل للحواس الأخرى في توضيحها وكأنك من قام بعمل الحاجز بينك وبينهما، أو بين عينيك وبين قلبك وعقلك..! القلب لايكذب ولكن العيون أيضاً لاتكذب.. أنت رأيت وأنا أيضاً ولكن كلٌ منّا بحاسته قام برسم الصورة التي يحتاجها أو التي يبحث عنها أو يعتقد أنها المطلوبة أو التي تناسبه من خلال تقديره لما يريد وليس ما هو فعلي أو ما لايمكن أن يريده..! تقوم العيون كل لحظة بعادة عبثية ربما، وعادة تختلط فيها الصور ربما وعادة تخضع لفكرة أرى أو سوف أرى ما أريد أن أراه.. وبالتالي لن أجد عيباً فيه.. أو لن أجد شيئاً جيداً به.. وفي الواقع أنّ الصورة العادية لما رأيته تدور بعيداً عن رؤية المعجب والمتحامل داخل إطار المرور أمام الصورة دون أن تلفتنا أو تُثير انتباهنا أو نتوقف أمامها أو تستدعي تسليط الأضواء عليها لأهميتها.. الأمر فقط يخضع لهذه الترسانة الكاملة من التقييم المسبق أو المتسرع وفي النهاية هو يخلو من المعنى ويخضع في غالبيته للمتخيل عندما تُسلمه للعين فقط..! لا تغلق عينيك على نظرتك المحدودة فالعيون وحدها لاتصنع الصورة الحقيقية.. والنظر إليها بهدوء لايعني أنك تراها بوضوح.. لأنّ الوضوح لا يمنح الصورة صلاحيتها الكاملة أو لايمكّنها من الاحتفاظ بوجودها طالما ظلت الرؤية احادية ولم تخضع للاختلاط الذاتي والحماية من العقل الذي يُفند كل شيء..! ثمة قانون هو التروي وهو التناوب للمشاعر يسود عندما تملي عليه إرادتك.. وعندما يصبح هناك نوع من التوليف بين ما تراه بعينيك، وما يراه عقلك بنظرة المعرفة ليتحقق التوازن..!

مشاركة :