ادفع ثم ادفع.. ثم افهم!

  • 1/17/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أنا حزينة، قلقة، مرعوبة، محبطة، أشعر بالانكسار والوحدة، أشعر بالضعف الشديد وبأنني لا أستطيع أن أفرد جناحي وأظلل على أسرتي وأحميهم من مصاعب الحياة وكأن هناك من طعنني في ظهري فأصابني بشلل، أشعر بأن ظهري عارٍ لا يوجد من يحميني أو يطبطب على ظهري ليزيل ألم وتعب السنين، أحلامي لسن الخمسين والتمتع بتقاعد مريح ومثير تأجلت أو انمحت، وكأن هناك من يهمس في أذني ويقول بكل سخرية: ستموتين وأنتِ تجاهدين في سبيل لقمة العيش ولن ترتاحي إلا في القبر. نعم هذا ما أشعر به بالضبط بعد أن حاولت الهرب مدة شهر من واقع مرير نعيشه هذه الأيام، للمرة الأولى في حياتي العملية أخرج في إجازة طويلة وأسافر فيها، حاولت أن أبتعد قليلا وألا أتكلم أو أكتب عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به مملكتنا الحبيبة، وأن أنتظر وأراقب الوضع من بعيد (عل وعسى) تتغير بعض الأمور أو أقرأ أو أسمع أي خبر يكون بصيص نور وأمل لغد أفضل، إلا أنني عدت إلى واقع أليم وزيادة في قصف الراتب من دون أي زيادة، بل كل يوم نُصْدَم بقرارات وأخبار أقسى من اليوم الذي يسبقه. الغول (الضرائب) هجم علينا وأصبحنا ندفع سواء رضينا أو أبينا، فهمنا أو لم نفهم، اقتنعنا أو لم نقتنع، تحلطمنا، ناشدنا، صرخنا، طلبنا، ما في فايدة، وكأننا في معسكر (نفذوا وادفعوا أولا ثم اسألوا أخيرا)، ذكروني بمسرحية العيال كبرت حينما قال الأولاد لوالدهم: (حتتباس يعني حتتباس، حنقفل الأوضة بالترباس وتتباس يا عباس). «جان» ينط وزير الكهرباء ويرفع فاتورة الكهرباء وكأن الناس ناقصة. «جان» يطل علينا وزير الإسكان من وزارة في كوكب زحل ويقطع علاوة السكن عن مئات المواطنين. «جان» تزيد كمية الأدوية الناقصة في وزارة الصحة وما على الفقارة المساكين إلا المعاناة أو شراء الأدوية من الصيدليات الخاصة والتي تزيد من أعبائهم المادية طبعا. وما يكفي كل ذلك إلا «جان» ينط لنا عضو مجلس شورى ويطالب بعدم توفير المورفين لمرضي السكلر في العيادات الخاصة، وكأنه لا يعلم ماذا يعني هذا المرض وماذا يفعل في المريض من آلام مبرحة جدا تضاهي آلام أي مرض آخر فتاك! ذكرني وقتها بحادثة وقعت لي منذ سنين مازالت منحوتة في عقلي في كل مرة أصاب بها بأي ألم، وهي: عندما كنت أتكلم مع زميل لي في العمل مصاب بمرض السكلر وأشرح له معاناتي مع ألم الكِلية قبل العملية، وكيف كانت كل المسكنات لا تنفع في تخفيف ألمي وأنا أمسك يميني وأصرخ وأطلب من الدكتور زيادة جرعة المسكنات، فقلت له: كانت الآلام تشبه آلام الولادة تقريبا، وكان زميلي ينظر إليَّ بابتسامة خفيفة ليصدمني ويقول: احمدي الله أنكِ لم تجربي آلام السكلر؛ إذ تنتفخ اليدان والقدمان، وتشعرين بآلام كل عظمة في جسمكِ وكأن هناك من يفتت عظامك بمطرقة كبيرة، ولا ينفع حتى المورفين في تخفيف الألم، فشعرت بالخوف والألم وقرأت عن المرض وعلمت أن آلامه شديدة جدا، وأن علاجه الوحيد خطر ومكلف جدا؛ إذ يجب وجود متبرع لنخاع العظم وزرعه في المريض.. حينها فقط شكرت ربي وحمدته، وشعرت أنني أريد أن أسأل عضو مجلس الشورى: هل زرت طوارئ السلمانية وأنت تعاني من أي ألم مبرح من دون أن يكون لك أي واسطة؟ هل جربت آلام مرض السكلر؟ فأتمنى من أي صاحب سلطة أو قرار أن يفكر ألف مرة في احتياج الناس وظروفهم المادية والصحية والنفسية، ومازلت أصرخ: ارحمونا يرحمكم الله.

مشاركة :