الرباط: «الشرق الأوسط» قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إنه لا يمكن لتعزيز الحوار بين الحضارات واحترام التنوع الثقافي أن يصبحا واقعا ملموسا على المستوى العالمي إلا إذا جرى ترسيخهما وطنيا، وفسح المجال لتبني أهدافهما النبيلة من طرف كل مواطن. وأضاف الملك محمد السادس، في رسالة إلى المشاركين في الندوة الدولية التي افتتحت أشغالها مساء أول من أمس في مدينة فاس، حول الحوار بين الحضارات واحترام التنوع الثقافي، أنه انطلاقا من الرصيد التاريخي العريق للمملكة، وهويتها الأصيلة، القائمة على التفاعل الإيجابي بين مقومات الوحدة والتنوع، كرس الدستور المغربي المزج المتناغم بين روافد الهوية الوطنية، والتشبث بالقيم الكونية. وقال العاهل المغربي في الرسالة التي تلاها عبد الله بها، وزير الدولة، إنه «بالموازاة مع ترسيخه لميثاق حقيقي للحقوق والحريات الأساسية، وتبوؤ الدين الإسلامي السمح مكانة الصدارة في المرجعية الوطنية، فإن القانون الأسمى للمملكة نص على تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية». كما أكد على تلاحم وتنوع مقومات الهوية الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. من جهة أخرى، قال الملك محمد السادس إنه «انطلاقا من إيماننا بنبل تعاليم الدين الإسلامي، الداعية إلى السلام والأخوة، فإننا لم نفتأ نبذل الجهود من أجل إبراز صورة الإسلام الحقيقية، التي شوهتها بعض الحملات البغيضة والمقصودة، مستغلة نزوعات التعصب والانغلاق التي يروجها بعض أدعياء الدين الإسلامي، للخلط بين جوهره القائم على الاعتدال والوسطية، وبين أعمال العنف والتخريب التي تتبناها جماعات التطرف والإرهاب». وأعرب ملك المغرب عن يقينه بأن الحوار البناء والمستمر بين الدول، وتكثيف المنتديات الدولية والجهوية حول تفاعل الثقافات وتعايش الأديان، والعمل على إشراك الشباب والمجتمع المدني في أشغالها، كلها وسائل ستسهم في مواجهة نزوعات التعصب والانغلاق، بطرق سلمية وحضارية، مشددا على تفادي المقاربات التبسيطية، التي تختزل الانفتاح والتفاعل في الاستلاب والتنكر للخصوصيات التي تميز كل أمة. وأضاف العاهل المغربي أن «تربية شبابنا على الانفتاح والإصغاء والتسامح، وعلى الإيثار وقبول الاختلاف والتنوع، تشكل العلاج الناجع ضد (صدام الجهالات)، وشرطا مسبقا لا محيد عنه، للحفاظ على الأمن والسلام في العالم». ودعا الملك محمد السادس إلى «تجاوز المنظور الفكري الضيق، الذي يعتبر المجتمعات مجرد دول وشعوب، تتعايش أو تتنافس في ما بينها، والارتقاء إلى مفهوم أوسع وأكثر إيجابية، يجعل من الأمم والشعوب مكونات متنوعة لكيان واحد، هو الإنسانية. وهو ما يقتضي أن يقوم كل مكون بوضع مؤهلاته في خدمة الجميع، في إطار من التكامل والانسجام». من جهته، قال أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي، ورئيس مؤسسة «أنا ليند»، إن الحقد والخوف والتعصب الديني «ليست قدرا أو حتمية مفروضة». وأوضح أزولاي، خلال عرض قدمه مساء أول من أمس أمام المشاركين في هذه الندوة الدولية المنظمة من قبل «إسيسكو» والمنظمة الدولية للفرنكفونية بشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) «أننا نعيش في زمن وفي عالم موسوم بالعنف الآيديولوجي ومحاولات حثيثة للانكفاء على الذات تفاقمها عملية التوظيف والاستغلال السياسي للأديان السماوية». وشدد أزولاي على ضرورة «إعادة قراءة التاريخ المعاصر للحوار بين الأديان والثقافات من أجل الوقوف على الطابع الظرفي للتراجع الجماعي المسجل على هذا المستوى خلال السنوات الأخيرة». وأضاف «إنني أنتمي إلى جيل استطاع انطلاقا من المغرب أن يضع روحانياتنا في خدمة العقل والعدالة والكرامة الملازمة لكل فرد»، داعيا المنظمة الدولية للفرنكفونية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إلى أخذ المبادرة «والعمل على تحليل الدواعي والأسباب الحقيقية التي تكمن وراء التراجع المسجل على مستوى حوار الثقافات والأديان، وكذا من أجل الكشف عن الجهات التي استفادت من هذا التراجع». وقال إن «الإرادة والانسجام والمتانة التي تطبع الاختيارات الأساسية التي تبناها المغرب بقيادة الملك محمد السادس، من أجل بناء مجتمع متنوع يعيش تعدديته في انسجام تام وفي توافق وطني، تشكل نموذجا يحتذى بالنسبة للشعوب والمجتمعات التي لا تزال تبحث عن مساراتها بالمنطقة». وبدوره، قال عبدو ضيوف، الأمين العام للمنظمة الدولية للفرنكفونية، إن المغرب كان ولا يزال مثالا فريدا للتلاقح الخلاق بين الحضارات والثقافات والأديان بفضل تجربته العريقة في الانفتاح على العالم في ظل احترام المبادئ والقيم الإنسانية المشتركة. وأضاف ضيوف أنه وفي سياق ما يعرفه العالم اليوم من اضطرابات وتحولات يقدم المغرب تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس نموذجا للاستقرار والإرادة القوية لتعزيز سيادة القانون وترسيخ التعددية السياسية والمشاركة البناءة لجميع الفاعلين داخل المجتمع. وأوضح ضيوف أن الحوار بين الثقافات والأديان أضحى في ظل التحولات التي يشهدها العالم ضرورة ملحة تتطلب توافر مجموعة من الشروط، مشيرا إلى أنه لا مجال لحوار فعلي من دون رغبة في الاعتراف المتبادل. وأكد على أن الحوار بين الثقافات والديانات يتطلب التخلص من الأحكام المسبقة والصور النمطية ومظاهر الخلط، مشددا على أن ما يخشاه الجميع اليوم هو صدام انعدام الثقافة أكثر من صدام الثقافات.
مشاركة :