يحرص الإسلام دائماً على بث روح الأمل والطموح في نفوس المسلمين، خاصة في أوقات الأزمات ليواجه المسلم بعزيمة وإصرار مستمدين من تعاليم دينه كل ما يواجهه من مشكلات وأزمات، تقف في طريق الحياة الطيبة التي يتطلع إليها له ولأسرته، ويسهم من خلالها في تنمية ورقي مجتمعه.من يتأمل تعاليم الإسلام التي تحث على العمل والإنتاج والإبداع في مختلف المجالات، يجدها دافعة للأجيال الجديدة على بذل كل جهد عقلي وبدني للانتقال بالأمة من حالة الركود الحضاري إلى آفاق التقدم والنهضة واستعادة أمجادنا الحضارية.. فالإسلام دين حياة ونهضة وتقدم حضاري وعمل وإنتاج دائم، ويغرس في المسلم إرادة الكفاح والطموح والمنافسة الشريفة للارتقاء بواقعه وواقع المجتمع الذي يعيش فيه. وكما يرفض الإسلام الزهد السلبي في الدنيا والذي يعني الاستسلام للواقع والرضا بالقليل من متاع الحياة ومطالبها التي لا تتوقف.. يرفض أيضاً أن يعيش المسلم عالة على غيره، أو عالة على ثروة آلت إليه من أبيه أو أمه من دون أن يعمل على تنميتها وتكثيرها والإضافة إليها، فحركة المسلم في الحياة حركة عمل وإنتاج وتعمير للكون بصرف النظر عن رصيده من الثروات والممتلكات. يقول العالم الأزهري د. سعد الدين هلالي: أستاذ الشريعة الإسلامية: على المسلم أن يعمل جاهداً على التوفيق بين ثالوث القيم الأخلاقية الذي يرسم للمسلم الطريق الصحيح (الرضا - الصبر - العمل)، فلو استطاع المسلم أن يجمع بين هذه القيم النبيلة، ويجعلها منهجاً لحياته، لاستطاع أن يعيش حياة كلها طمأنينة ورضا وطموح، فالمسلم الحق هو الذي يرضى بما قدره الله، ويصبر عليه، ولا يستسلم لما يراه غير محقق لطموحاته، بل عليه أن يعمل ويجتهد بجدٍ لمواجهة مشكلاته متطلعاً إلى مستقبل أفضل بعد أن يتخلص من كل مشكلاته وأزماته.اختبارات صعبةوهنا يؤكد د. هلالي أن تسلح المسلم بعقيدة القضاء والقدر ليس سلوكاً سلبياً، كما يتوهم البعض، فهذا الإيمان يحميه من كثير من المشكلات والأزمات النفسية، وهو في الوقت نفسه يفرض عليه أن يعمل ويبذل كل جهده ويسعى إلى اكتساب مهارات لزيادة رزقه، ويترك بعد ذلك النتائج على الله.ويضيف: قد يواجه المسلم مشكلات ويتعرض لما يحزنه ويرى أنه من المصائب الكبرى وهنا لا ينبغي أن يكتفى المسلم بالبكاء والشكوى للآخرين، بل عليه أن يوقن بأن الهم والحزن والمصيبة من عوارض الحياة التي لا تفارق الإنسان من أجل الابتلاء والاختبار الذي يميز الله به الخبيث من الطيب، ومن يصبر على آلامه ويواجه مصاعب الحياة بالعمل والكفاح المخلص متسلحاً بالإيمان بأن كل ما يحدث له هو من قدر الله، يقدر الله له الخير فالمسلم دائماً في اختبار؛ حيث يقول الحق سبحانه: «ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين». ويقول عز وجل: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه».اللجوء إلى اللهوإذا كان الصبر على الهم والحزن والمصيبة يقتضي الرضا بالقضاء وعدم الجزع من القدر، فإن هذا لا يمنع من وجوب الاستعانة بالله والأخذ بالأسباب حتى يكون الصبر جميلاً وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من ذلك، أي يطلب اللجوء إلى الله، والاعتصام به سبحانه ليدفع عنه الهم والحزن. ويعينه على الصبر في المصيبة. فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات».والعجز الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه: هو عدم القدرة على فعل الواجبات.. والكسل هو التثاقل والفتور، والجبن هو ضعف القلب أو الخوف مما سوى الله تعالى، والهرم هو أقصى الكبر من الشيخوخة المقعدة التي لا علاج لها، وفتنة المحيا، هي كل ما يعرض للإنسان في مدة حياته من الركون إلى الدنيا وشهواتها وجهالاتها، وفتنة الممات: هي ما يصرف الإنسان عن ربه في نهاية الأجل في الدنيا.كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من «جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء».. ومعنى جهد البلاء: حالة الذروة من الفتنة التي قد يتمنى فيها الموت، وقال بعض العلماء، جهد البلاء قلة المال وكثرة العيال، وأما درك الشقاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه فهو بذل الجهد والطاقة ليس لتحصيل خير ومنفعة، وإنما لتحصيل شر ومعصية.. وسوء القضاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه هو ما يسوء الإنسان ويوقعه في المكروه. ولفظ السوء ليس صفة للقضاء. فكل قضاء الله خير، وإنما هو صفة للإنسان الذي نزل به القضاء، فإن كنت راضياً بالقضاء فهو خير القضاء لك، وإن كنت ساخطاً على القضاء فهو سوء القضاء لك، وبهذا يمكنك أن تجعل كل ما ينزل بك مكروهاً أو غير مكروه من خير القضاء. وذلك بالرضا والصبر. وصدق الله حيث يقول: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب».مفهوم القناعةالداعية الأزهري الشيخ خالد الجندي، يتفق مع د. الهلالي في أن الإسلام يحارب كل مظاهر اليأس والإحباط في نفوس المسلمين ويرفض أن يستسلم المسلم لواقع لا يرتضيه، فهو مطالب شرعاً بأن يرضى بقضاء الله وقدره، ويصبر على ما يصيبه من أمور لا يرتضيها، ثم يسعى جاهداً لرفع ذلك وتبديل مظاهر فشله بنجاحات تحقق له طموحاته.ويحذر الشيخ الجندي من الخلط بين القناعة والرضا بما قسمه الله وسلوك الكسالى والخاملين الذي يستندون إلى القضاء والقدر لتبرير ما أصابهم من خنوع وبؤس وسلبية.. ويقول: القناعة بمفهومها الصحيح من أعظم الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة التي يمكن أن يتحلى بها المسلم.. وهي تعني أن يرضى الإنسان بما قسمه الله له، ولو كان قليلاً، ولا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، وهي دليل على صدق الإيمان، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه».ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والمثل الأعلى في القناعة والرضا، فقد عاش حياته الشريفة راضياً قانعاً بما رزقه الله، لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يتطلع إلى ما عند غيره، فكان صلى الله عليه وسلم يعمل في التجارة في مال السيدة خديجة رضي الله عنها ويكسب كثيراً ولا يطمع في ما كسبه، وكان صحابته يعرضون عليه الأموال التي يغتنمونها في المعارك فلا يأخذ منها شيئاً، بل كان يوزعها على أصحابه.جزء من العقيدةوعن كيفية مواجهة المسلم لمشاعر الضيق والإحباط التي تسيطر عليه يقول: تعاليم القرآن الكريم وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم تعين المسلم على مواجهة هذه الحالة، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة الحديد: «ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكى لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور»، فالمسلم - وفق هذا النص القرآني- عليه أن يعلم أن ما أصابه من مصيبة، في نفسه أو عياله أو ماله هي مكتوبة ومقدرة ومسجلة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهذا التسجيل كائن من قبل أن يخلق الإنسان، والتسليم بذلك هو ما يطلق عليه «الإيمان بالقضاء والقدر» وهو جزء من عقيدة المسلم يجب ألا يفارقه في كل أحواله، ومن كان راضياً قانعاً بما قدره الله له خلصه الله من كل مشكلاته وأزماته.. وواجب كل مسلم أن يردد عندما تلحق به مصيبة من المصائب قول الله عز وجل: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون».لذلك يطالب الداعية الأزهري كل مسلم يعاني من الضيق والضجر أن يقرأ بعض آيات القرآن بتدبر، أو أن يتوضأ ويصلي فالصلاة تجلب للمسلم الطمأنينة والرضا، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للصحابي الجليل بلال: «أقم الصلاة يا بلال.. أرحنا بها».
مشاركة :