لندن: محمد رُضا الفارق بين روبرت داوني جونيور والممثل بنديكت كمبرباتش، ليس أن اسم الأول أسهل في الحفظ فقط، بل إن داوني جونيور صنع نسخة كرتونية حين مثل شخصية شرلوك هولمز، في حين تمسّك كمبرباتش بأداء جاد للشخصية ذاتها وذلك في الحلقات التلفزيونية التي قاد بطولتها من عام 2010 والمقرر لها أن تستمر إلى آخر موسم 2014 وهو سعيد بذلك: «شخصيا لم أكن أجرؤ على تمثيل شخصية هولمز على أي نحو آخر. نعم منحناه بعض التطوير لكننا حافظنا على شخصيّته كما كتبها آرثر كونان دويل». الدور فتح له نافذة على بضع فرص عمل لم يكن للممثل البالغ من العمر 37 سنة الحلم بها. فمن خلاله دلف على لعب دور مهم في فيلم ستيفن سبيلبرغ «حصان حرب» (2011) وعبره ظهر كإحدى شخصيات فيلم «ذا هوبيت: رحلة غير متوقعة» (2012) وإليه، كما يؤكد، يعود الفضل في القيام ببطولة «ستار ترك داخل الظلام» الذي ظهر مطلع هذا العام. لكن انتصارات كمبرباتش في الآونة الأخيرة لم تتوقف عند هذه الأفلام. إنه في فيلم ستيف ماكوين الجديد «12 سنة عبدا» المؤهل للأوسكار وفي الفيلم الجديد لبيل كوندون «السُلطة الخامسة» حيث يلعب شخصية جوليان أسانج. وهو محجوز للعام المقبل في أربعة أفلام بينها الجزء الثاني من «ذا هوبيت» (يليه الجزء الثالث الذي سيعرض في نهاية 2014) وفيلمان من نوع الأنيماشن «بطارق مدغشقر» و«سحر». * كيف تفسر انتقالك بين الأدوار إلى الآن خصوصا أنه رغم وسامتك الواضحة، يسندون إليك أدوارا شريرة.. هذا باستثناء دورك في «شرلوك هولمز»؟ - أعتقد أنني كنت محظوظا لما فيه الكفاية حين ظهرت في «شرلوك هولمز» ومعظم العروض التي وردت إلي بعد عام 2010 كانت بسببه. لكنني أعرف أنني مستخدم حاليا في أدوار قد تحكم علي بالنمطية. لكني في الوقت ذاته أعرف أنني لست مستعدا الآن لتمثيل دور في دراما كبيرة أو في دراما تاريخية وأعتقد أنني محظوظ في أن تسند إلي الأدوار التي أسندت إلي. * ما الدور الذي تطمح إليه أو الذي ستقبل به في محاولتك تغيير النمط؟ - أريد أن أقول إنني لا أشكو بل أتجاوب مع سؤالك. لكن أعتقد ما قد يكون دورا استثنائيا بالنسبة لي هو القيام بتمثيل الدور الرئيس في مسلسل «نهاية الاستعراض» تحت إدارة المخرج سوزانا وايت. * هذا هو ثاني مسلسل تلفزيوني ذائع لعبته. ما الذي يجعل من حضورك التلفزيوني سببا لانتشارك سينمائيا؟ - مجرد نجاح، وأنا لا أقول ذلك تخفيفا أو استهزاء. إنه من الطبيعي أن يحاول منتجون توظيف ممثلين أثبتوا جدارة ما في حلقات تلفزيونية. ففي نهاية الأمر التلفزيون لا يعرف الحدود والبرامج تنتقل بين المشاهدين كل يوم وكل أسبوع وتحل في منازلهم بلا عناء الذهاب إلى السينما. طبعا السينما تمنح الممثل حضورا كبيرا وشائعا أيضا، ولو بشروطها الخاصة.. الحقيقة هي أن عدد الممثلين الذين استقطبتهم السينما من التلفزيون هم أكثر من عدد الممثلين الذين تركوا السينما إلى التلفزيون.. هذا هو اعتقادي. * في أي وسط ترتاح أكثر؟ - أنا مرتاح في الاثنين وأحبهما معا. أقول ذلك من دون جشع لأني فعليا أحب كلا الوسطين؟ * تحب أفلام الخيال العلمي؟ - أحبها على نحو طبيعي أقصد بلا مبالغة أو تطرّف. أحببت «بلايد رانر» و«2001: أوديسا الفضاء» وأحب تلك النوعية من الأفلام التي تحمل جديدا إلى النوع الذي تمثله. هذا ما يجعلها من الكلاسيكيات في اعتقادي. * هل شاهدت أفلام «ستار ترك» القديمة كلها قبل أن تؤدي دورك في الفيلم الجديد «ستار ترك إلى الظلام»؟ - لم أشاهدها كلها لكني شاهدت أربعة منها على ما أعتقد وحين كنت لا أزال أجد الوقت لكي أشاهد الأفلام. هل سؤالك التالي إذا ما كنت معجبا بها أكثر من «ستار وورز»؟ * لا. سؤالي التالي هو إذا ما وجدت أن الدجيتال غلب على التمثيل البشري في هذا الفيلم خصوصا أنك تعوّدت على أفلام تتعامل والشخصيات الإنسانية أساسا. - أعتقد أن المخرج ج ج أبرامز (مخرج «ستار ترك إلى الظلام») مخرج ماهر وهو مزيج من شخصيّتي كيرك وسبوك في هذه السلسلة (كيرك هو الشخصية البشرية وسبوك هو المخلوق المصنوع على نمط بشري - المحرر). أعني بذلك أن المخرج في الوقت الذي كانت لديه كل القدرات التقنية حافظ على التعامل مع الشخصيات على نحو درامي ووظف ما لديها من طروحات ومن خصائص في سبيل منح الفيلم الروح. ج ج يزوّج الذكاء والقيمة الفكرية بالتكنولوجيا الحديثة لذلك هذا الفيلم في اعتقادي من أفضل الأفلام الخيالية العلمية ربما منذ التسعينات على الأقل. * كيف وجدته مخرجا؟ - ج ج يعرف التمثيل. يعرف كيف يدير الممثل. لا يطلب منه الوقوف في مكان مطلوب فقط بل يتحاور وإياه حول ما سيقوم الممثل به. وهو مستعد لأن يستمع لك إذا ما كان لديك أي ملاحظة حتى ولو كان المشهد بات ماثلا للتصوير. وهو حقا يأخذ وقته مع الممثل ويحاول توسيع رقعة التواصل بينه وبين الممثل خارج منوال المخرج والممثل وأن الثاني عليه الاستجابة لطلب المخرج منه. أعرف أنه ليس المخرج الوحيد الذي يقدم على ذلك.. هناك آخرون كثيرون، لكن أن يصرف ج ج أبرامز هذا الوقت ويبذل هذه العناية الفائقة في فيلم قائم على المغامرات و - كما ذكرت - مليء بالتقنيات عوض أن ينجز فيلمه على نحو أسرع وكما هو مرسوم من دون الرجوع إلى التفاصيل كما يراها الممثل أمر مؤثر وإيجابي جدّا. * ما هو مثير بالنسبة لتشخيص شرلوك هولمز ليس فقط الشخصية بل الحقبة التاريخية. المسلسل التلفزيوني الذي قمت ببطولته يمنحنا قدرا كبيرا من ملاحظة الفترة الإدواردية.. - أوافق على ذلك تماما. لن أدّعي أنني كنت أعرف ذلك قبل قيامي بتمثيل شخصية هولمز. طبعا الكثير مما نراه على الشاشة يتألف خلال التصوير وبعده وليس على السيناريو ومنها الأجواء المطلوبة لكل عمل. أحب التاريخ وأحب أن أتابع مراحله كهاو على الأقل. أقصد أن أقول إن هذه البلاد (بريطانيا) ما زالت تعيش تبعا لمقاييس متوارثة، من بينها الطبقية مثلا. أعتقد أنها مزروعة فيها إلى حد بعيد. وأعتقد أن علينا دائما الرجوع إلى الماضي وتعلم ما حدث فيه لكي نتجنب تكرار الأخطاء. * طبعا هذا لا يحدث.. - صحيح وللأسف، لأن إذا ما كان هناك دور ما للخطأ في الحياة فهو أن نتعلم منه. * سنشاهدك قريبا في دور جوليان أسانج.. هل هناك شروط لتمثيل شخصية حقيقية ما زالت تعيش بيننا؟ - تمثيل الشخصيات الحقيقية يختلف من حيث أن الشخصيات الحاضرة تفرض مسؤوليات معيّنة أكثر. شخصية أسانج ليست معاصرة فقط بل حية وما زالت متطوّرة. علينا أن نفهم المعطيات المختلفة التي صنعت هذه الشخصية والتي سمحت لصورته الذهنية أن تكبر على هذا النحو بحيث يصير لزاما علينا البحث في دوافعه الخاصّة. نصوّر حياته وعلاقاته حسب مراحلها. ليس هناك داع لتجاهل بعضها لصالح بعض المراحل الأخرى لأنها جميعا مهمة. لكن بصرف النظر عن المعالجة، هناك حقيقة أننا نواجه رجلا ماثلا وعلينا أن نحترم حقيقة أن أي ممثل سيقوم بدوره في النهاية سيواجه مصاعب إتقان الشخصية على نحو يعكس الاحترام حياله بصرف النظر عن رأي الفيلم الخاص به. * أي مراحل هي التي يوردها الفيلم؟ - عمليا جميعها بما فيها التسريبات حول الحرب العراقية والحرب في أفغانستان. لكني أود أن أضيف أنه حين تمثل شخصيات حقيقية تشعر أنك قريب من أشباحها. هذا أيضا بفعل محاولتك تتبع خطوات حياته والتصوير في أماكن حقيقية والتطرق إلى الشخصيات التي عرفها في حياته. * ذكرت «ستار وورز» في معرض حديثك عن «ستار ترك».. ما موقفك منهما عموما.. أقصد كأعمال فنية كما كطروحات في أدب الخيال العلمي؟ - حين كنت صغيرا ملت لمشاهدة «ستار وورز» والإعجاب بالسلسلة الأولى. هذا سهل الوقوع لأنه توجه إلى الصغار والفتيان بينما كان «ستار ترك» بخلفيته التلفزيونية موجها إلى الراشدين لأن مواضيعه كانت فلسفية أكثر منها مواضيع مغامرات تشويقية. لكني أعتقد أن كلا المسلسلين، كل بطريقته الخاصة، لديه ما يقوله حول الحياة الإنسانية وهما قريبان من روايات شكسبير على نحو أو آخر.. بعض الشخصيات شكسبيرية في اعتقادي.
مشاركة :