تتخذ اليوم عمليات البحث عن الكتلة المفقودة في الكون منحى اختباريّاً جديداً. وتسير التحضيرات في «المركز الأوروبي للبحوث النوويّة» (اختصاراً «سيرن» CERN) في سويسرا لتشغيل جهاز شديد التعقيد هو «إن. إي.64» NE 64، مصمّم لاستشعار الاستجابات التي يحتمل صدورها عن «المادة المُظلِمَة». ويعقد علماء «سيرن» الرهان على جندي مجهول ينتمي إلى القوّة الكهرومغناطيسيّة يسمّى «فوتون» وهو معلوم تماماً. ويتوقّعون من ذلك الجندي أن يؤدّي دور المفتش الشهير شارلوك هولمز في مجال نوع من الجاذبية يدعى «غرافيتون» (نسبة لكلمة «غرافيتي» التي تعني الجاذبية). وعلميّاً، يفترض العلماء وجود «فوتون مظلِم» يعمل بناء على تفاعله مع «المادة المظلمة»، ما يعني قدرته على أداء دور الوسيط معها. تجدر الإشارة إلى أنّ الفوتون العادي هو المكوّن الأساسي للضوء. واستطراداً، تتكوّن خيوط الضوء من سلسلة كرات كل منها يمثل فوتون، كأنها خيوط مسبحة. ويضرب سيرجي جنينكو، الناطق باسم هيئة «إن.إي.64» مثلاً على ذلك قائلاً: «في حوار مستحيل بين شخصين لا يتحدثان اللغة نفسها (= المادتان المرئية والمُظلِمَة)، يمكن الاستعانة بوسيط (= «الفوتون المظلم») يفهم لغة واحدة ويتحدّث بالأخرى». وفي «سيرن»، تبحث تجربة «إن.إي.64» عن بصمات التفاعل بين المرئي والمظلم باستخدام مفهوم فيزيائي بسيط لكنه حاسم تماماً: قانون حفظ الطاقة Law of Conservation of Energy. وفي التجربة، تسلط حزمة من الإلكترونات تكون طاقتها الأوليّة معروفة بدقة، على لاقط خاص. وينتج من التفاعلات بين الإلكترونات وأنوية الذرّات الموجودة في اللاقط، مجموعة من الفوتونات المرئيّة. ثم يجرى قياس طاقة الأخيرة بالمقارنة بالطاقة الأوليّة. وفي حال وُجِدَت «فوتونات مُظلِمَة»، فسوف تخرج من جهاز القياس اللاقط آخذة معها جزءاً كبيراً من الطاقة الأوليّة التي كانت في حزمة الإلكترونات. ويسجّل تلك المعطيات جهاز «إن.إي.64» بوصفها «طاقة مفقودة»، ما يقدّم إشارة قوية إلى وجود «الفوتون المُظلِم». وإذا نجحت تجربة «إن.إي.64»، يمثّل استشعار وجود «الفوتون المُظلِم» انفراجة مهمّة في فهم العلماء لغز «المادة المُظلِمَة» الذي طال أجل غموضه.
مشاركة :