دعا فضيلة الداعية الدكتور علي محيي الدين القره داغي -الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- الأمة الإسلامية إلى اتباع المنهج القرآني، حتى تكون لديها منعة ذاتية غير مكتسبة. وأكد أن هذه المنعة الذاتية تدير شؤون الفرد وتدبر أمره بعد الاعتماد على الله تعالى، بخلاف المنعة المكتسبة، حيث تجعل خيط التحكم بالفرد بيد الآخرين، يدبرون له أمره وفق مصالحهم، ويخططون له ما يرغبون في تحقيقه من خلال إفساد المرء. وأوضح فضيلته أن الأمة اليوم بحاجة إلى منهج شامل لكل مجالات الحياة، من خلال إصلاح النظام التعليمي والتربوي، وأن يربط الإنسان بالكون المسخر له، شريطة أن يكون هذا المنهج مصحوباً بكرامة الإنسان، في ظلال عبوديته لله رب العالمين.وقال فضيلته -في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها في فريج كليب- «إن الأعداء يسعون إلى إحداث الفوضى الخلاقة في العالم الإسلامي، حتى تسهل السيطرة عليه، وتكون خيوط التحكم بأيديهم يحركون الأمة التابعة ذات المنعة المكتسبة حسب مصالحهم. وأضاف: يجب على الأمة أن تتمتع بوعي وتدبر، وأن تبصر فقه المآلات، وأن تقرأ التاريخ، حتى تستفيد من عبره، وتجارب الأمم السابقة، وحتى تكون خير أمة أخرجت للناس. وتابع فضيلته: لو نظرنا إلى عالمنا الإسلامي والعربي لم نجد فيه إلا التفرق والتمزق والتخلف والمشاكل السياسية والاجتماعية، وكلها تعود إلى فساد داخلي ونظام تعليمي غير مجدٍ على مستوى الفرد والمجتمع، لافتاً إلى أن الأنظمة التعليمية لم تنتج مخرجات مؤثرة، يترتب عليها إصلاح الفرد والمجتمع، ويلاحظ أن أكثر من يحدث الفوضى ويثير المشاكل لم ينل حظه من التعليم، أو تعلم دون أن يدرك المآلات والغايات، فلم يستفد من تجارب التاريخ، ولا من العبر والعظات التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم. وأوضح فضيلته أن ما أصابنا من أمراض خطيرة، ومشاكل عظيمة، وفتن كبيرة؛ تعود كلها في جوهرها وحقيقتها وأسبابها وسننها إلى أنفسنا على مستوى الأفراد والجماعات، لافتاً إلى أن الله تعالى جعل أثر التعليم والتربية أعظم من أي تأثير، حيث جعل الغاية من إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم إصلاح الأمة في أنفس أفرادها وأرواحها وقلوبها وعقولها، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين}. وأضاف: «إن أهم برنامج وأعظم وسيلة لتحقيق غايات الأمة المرجوة هو برنامج التعليم والتربية، حتى تسمو هذه الأرواح وتحلق في عليين، وحتى لا تكون هابطة شريرة»، وأكد فضيلته أن تجارب التاريخ تتكرر على مر الأمنة والعصور، فالأمة العربية قبل الإسلام كانت ترفل في قيود المفاسد، وتمور في الضلال، حتى جاء الإسلام بمنهاج يحقق لها ذاتها، ويعطيها رسالة يخلدها، ويخرجها من الظلمات إلى النور، ومن جور الحياة إلى عدل الإسلام، فبنى لها الحضارة بالعلم والمعرفة، مشفوعة بالتعليم والتربية، فغدت بها خير أمة. وتابع: أن الحضارة الغربية اليوم وليدة تجارب وعبر الآخرين، حيث كانوا يعيشون في خرافة، مضيفاً أن التاريخ ينقل لنا أن هارون الرشيد أهدى إلى ملك الإفرنج ساعة تعمل ذاتياً، فأراد أن يكتشف السر وراء ذلك، وحشر من حوله الكهنة يستفسر عن سر تحرك هذه الساعة، فما كان منهم إلا أن قالوا: فيها جني يتحرك، وها هم اليوم يتمتعون بحضارة العلم والمعرفة وسيادة العالم، من خلال إصلاح نظام التعليم والسياسة والدين بالنسبة لهم، وقد اعتمدوا في ذلك على عباقرة الإسلام وعلمائه. ولفت فضيلته إلى أهمية العلم، وإلى أن القرآن الكريم ذكر حوالي 2000 آية تتمحور حول العلم والعقل والتربية، ومن ذلك أن أول آية نزلت كانت آمرة بالقراءة الشاملة للكون والإنسان والكتب، وهي المبدأ الأول لإصلاح النظام التعلمي. وأوضح أن من المعروف لدى الجميع أن الأعراف والأنظمة التي كانت سائدة في السابق، وأن القراءات في الحضارات السابقة والأديان السابقة كانت تسير وفق أمور أساسية، هي: الأول: قراءة فلسفية ميتافيزيقية والبحث عما وراء الطبيعة، كما كان الفلاسفة متجردين ومعتكفين لقراءة هذا العالم الغيبي للوصول إلى الخالق، والثاني: القراءة المادية المتعلقة باكتشاف بعض الأشياء قدر الإمكان. أما الثالث فيتمثل في القراءة الدينية المحضة، وهذه كانت طبيعة جميع الأديان السابقة وأتباعها، فالمسيحيون بالذات والقسس والرهبان ما كانوا يقرؤون إلا القراءة الدينية فقط، وما كانوا يولون أي عناية بأي قراءة أخرى، وكذلك اليهود الذين ربما قرؤوا بعض القراءات المادية، ولكنها لم تكن شاملة لقراءة الكون والإنسان ونحو ذلك، والآية الكريمة «اقرأ» تتضمن مجموعة من المبادئ الأساسية لإصلاح النظام التعليمي والمنهجي الواضحة.;
مشاركة :