"العشر العجاف" يعاين تاريخ مصر الستينيات من شباك القرية

  • 1/20/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عمّان ـ يقال إن خطاب العالمية أو الوصول إليها يبدأ من باب البيت، ومن الدهشة التي تحققها المحلّية بصور الحياة. وفي كتاب الشاعر سمير درويش الذي حمل عنوان "العشر العجاف.. من الهزيمة إلى النصر" ينطلق الكاتب من المحلّية في سرد سيرته خلال عقد من الزمان يقع بين 1965 و1975، وهي مرحلة مليئة بالأحداث الكِبار. يعرض الكتاب الصادر عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمّان الأحداث الخلفية والحياة والتحولات في قرية مصرية، هي قرية الكاتب كفر طلحة، وهي ليست سيرة بالمعنى الشخصي بمقدار ما تمثل شهادة على العصر. وهي ليست من الشهادات السياسية لمحترفيها، بل هي تتبع ورصد ذكي للتحولات التي شهدتها القرية التي كانت تؤشر على ما يمكن أن تتشكل معها الأحداث. الغرباء لا ينفذون إلى عمق المجتمعات التي يعيشون فيها، ولا يدركون أسرارها بحكم اختلاف الثقافات ففي تلك السنوات وقعت حرب 1967 التي منيت بها الأمة العربية بهزيمة منكرة، واحتُلت فيها فلسطين، وخسرت سوريا ومصر بعضاً من أراضيها. ووقعت حرب الاستنزاف التي لم تستنزف إسرائيل بل استنزفت الدول العربية أيضاً، وحولت اقتصادها إلى اقتصاد حرب، وشبابها إلى وقودها. ومع ظلال الهزيمة إلا أن الأمل والتفاؤل - بصرف النظر عن واقعيته - كان مسيطراً على الأجيال في ظل الخطاب القومي وإنكار الهزيمة، والبحث عن أفق للخروج منها، وشهدت تلك الفترة الكثير من ملامح النهضة الفكرية والثقافية والفنية كنتائج للتحولات. وخلال تلك الفترة توفي الرئيس جمال عبدالناصر وتحديداً عام 1970، الذي كان يمثل رمزاً للكبرياء العربي وتسلّم بعده الرئيس محمد أنور السادات الذي انقلب على الحركة التي أوصلته لدفة الحكم. وفي العام 1973 استطاع الجيش المصري أن يخترق تحصينات العدو الإسرائيلي، ويخوض معركة سيناء التي انتهت بعقد الصلح. هذه الأحداث يحاول الكاتب أن يستعيدها من خلال ذاكرة تتجاوز نصف القرن حينما كان طفلاً، ويصوّر حياة القرية في ذلك الوقت التي كانت بالكاد تدري بما يحدث في ظل انشغالات أهلها بالزراعة والثأر وأكل العيش. تلك القرية التي كانت تشبهها الكثير من القرى المصرية، كانت بيوتها من الطين، وسقوفها من البوص، تقف واجفة على خصر النيل الذي يتهددها بالفيضان. يمارس فيها الناس حياتهم دون كهرباء أو ماء، يتساوى فيها الفقر، وينتظر الأطفال مواسم الفرح من عيد لعيد ليرتدوا ملابس جديدة. ويتوقف الكاتب بعين الباحث عند المؤسسات التي تسيطر على القرية خلال ذلك، ومنها المسجد الذي يجاوره المقام، والمدرسة، ومؤسسة العمدة، وتأثير كل واحدة من تلك المؤسسات على سلوك أبناء القرية وقيمهم. اختلاف الثقافات أهمية كتابة المذكرات ويلتفت إلى التحولات الاقتصادية في انتقالها من نمط الزراعة إلى الصناعات التحويلية وانعكاس ذلك على سلوك الناس وعلاقاتهم، وهو تحول من النمط الإنتاجي إلى الاستهلاكي الذي أحدث بعض المشكلات التي كان والده ضحية لها. ويصوّر من خلال ذلك تفاصيل معاش الناس في القرية التي تسير على بساطتها، وبين الأحداث الجسام التي مرّت على مصر، وكأنه يضع مهاداً لمقاربة بين ما يجري في الإطار العام للقرية المنزوية التي لا تعيش حياتها معزولة عن العالم، وبين البنى الاجتماعية والسياسية التي تهيمن على القرار السياسي والاقتصادي. يقع الكتاب في مائتي صفحة، ويتضمن الجزء الأول من مذكرات الشاعر، عن عشر سنوات في طفولته، و سنوات التكوين الأولى التي قضاها في قريته الصغيرة القريبة من مدينة بنها: 40 كم شمال القاهرة. والكتاب بحسب مقدمة المؤلف مجموعة من المشاهد المتفرقة، دون ترتيب زمني، تعالج شكل الحياة والعلاقات في قرية من قرى الدلتا في ستينيات القرن العشرين: الزواج والطلاق والثأر والتعليم والحالة الاقتصادية والزراعة والصحة من خلال رصد مواقف بعينها تركت أثرها على حياة الشاعر، وساهمت في تكوينه الثقافي والأدبي، أو هي – بالأحرى - تعكس هذه الأحداث وآثارها من وجهة نظره، وخاصة تلك التي ظلّت عالقه في ذهنه كل تلك السنوات. يلفت المؤلف سمير درويش في المقدمة إلى أهمية كتابة المذكرات التي تدوّن صورة الحياة في مصر في الفترة التي تناولتها، من وجهة نظر الكاتب أو المثقف المصري نفسه، ويقول: إننا - بسبب ندرة هذا الشكل من الكتابة - نعتمد في معرفتنا بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المصري القديم على شهادات وكتب بأقلام سائحين من الشرق والغرب، مكثوا في مصر بعض الوقت ودوّنوا انطباعاتهم عنها، وبالطبع لن تكون دقيقة مهما حاولوا، لأن الغرباء لا ينفذون إلى عمق المجتمعات التي يعيشون فيها، ولا يدركون أسرارها بحكم اختلاف الثقافات. هذا الكتاب هو العشرون لدرويش، الذي أصدر 16 ديوانًا شعريًّا، وروايتين، وكتابا سياسيا بعنوان "دولة الملتحين" صدر عام 2014 عن دار دلتا للنشر، ويتناول بالنقد عام حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

مشاركة :