من الظواهر اللافتة للانتباه في الرواية العربيّة الجديدة كثافة الاشتغال على الخطاب الصوفي لشخصيات ذات سطوة رمزية اعتباريّة مثل جلال الدين الروميّ ومحيي الدين بن عربيّ. ولا تعني هذه الظاهرة أنَّ الرواية العربيّة الحديثة والمعاصرة تخلو من اشتغالات سرديّة صوفية؛ فلدينا نماذج مهمة جدًا لمثل هذا الاشتغال خاصة عند نجيب محفوظ في بعض رواياته وعند جمال الغيطاني الذي يمثل «كتاب التجليات» بأجزائه الثلاثة رواية استلهمتْ بعمق خطاب محيي الدين بن عربيّ ممتزجًا برؤية جمال الغيطاني الإبداعّية. كما سنجد مثل هذه الاشتغالات الصوفيّة المعمَّقة في بعض روايات الروائيّ الأردنيّ مؤنس الرزّاز وفي بعض روايات الروائيّ الجزائريّ الطاهر وطّار خاصة روايته «الولي الطاهر يعود إلى مقامه»، وكذلك في بعض روايات الروائيّ الجزائريّ واسيني الأعرج ومنها رواية السيرة الذاتية «سيرة المنتهى: عشتها كما اشتهتني». وكذلك عند الروائيّ المصريّ عمّار علي حسن في روايته «شجرة العابد»، وغيرها من نماذج لخطابات روائيّة عربيّة معاصرة استلهمت الخطاب الصوفيَّ رغم التباين في تفكيك هذا الخطاب وإخضاعه إلى رؤى فكرية متباينة، ورغم تباين آليات التناص والتقنيات السردية في اشتغالاتها الجمالية والثقافية. وتمثل شخصيتا جلال الدين الروميّ ومحيي الدين بن عربيّ أهم شخصيتين صوفيتين جاذبتين للاستلهام الإبداعي. وقد كانت هاتان الشخصيتان محل اشتغالات غير عربيّة، وتمثل روايات كل من نهال تجدّد «الروميّ، نار العشق» ومورل مفروي «بنت مولانا» وإليف شافاق «قواعد العشق الأربعون» أهم الروايات العالميّة الحديثة المتصلة بخطاب السرد التاريخيّ. وربَّما بسبب أسبقية الترجمة العربية فإن رواية «قواعد العشق الأربعون» وسطوتها العالمية كانت هي الأنموذج الإبداعيّ السرديّ الملهم لروايات عربيّة حديثة استلهمتها بطرائق مختلفة. إنَّ الذي يميز الاشتغال الجديد في بعض الروايات العربيّة الصادرة خلال السنوات القليلة الماضية هو ذلك الاستلهام النصيّ والإبداعيّ من الرواية المؤثِّرة عالميا «قواعد العشق الأربعون» للروائية التركيّة إليف شافاق، وهي الرواية التي استلهمتْ فيها شافاق «قواعد العشق الأربعون» لشمس الدين التبريزي وكذلك «مثنوي» جلال الدين الرومي في خطاب كونّي سرديّ. وقد أثّر خطاب إليف شافاق في «قواعد العشق الأربعون» في عدد كبير من الروايات العربية التي تدفقت لاحقًا بعد روايتها وجميعها اتخذت شخصيات صوفية كبرى مجالاً لسردها التاريخي «موت صغير» لمحمد حسن علوان و«حدائق العشق الإلهي» لأدهم العبودي و«شوق الدرويش» لحمور زيادة وغيرها، وهذه الروايات العربيّة جميعها صدرت حديثًا بعد رواية «قواعد العشق الأربعون» لإليف شافاق. ما الذي يجعل هؤلاء الروائيين يقبلون على استلهام هذا الخطاب السردي المؤثر؟! رغم تباين مرجعياتهم الفكرية والأيديولوجية؟! وما الذي يجعل الكلمات الصوفية المختزلة المنسوبة إلى ابن عربي وجلال الدين الرومي والنفّري والحلّاج وغيرهم تتصدر وسائل التواصل الافتراضية لآلاف من المتابعين العرب؟! الإجابة ببساطة هي في طريقة تلقي هؤلاء للخطاب الصوفي على أنه خطاب كوني يجمع البشر في تناغم وانسجام، يوحِّد ولا يفرق.. هو خطاب الحب الكوني الذي يحرّض على التأمل بعمق والتدبّر في أزمنة السرعة المتلاحقة! أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين.
مشاركة :