محمد بن سلمان يعيد صياغة جيوسياسة المنطقة لتظل السعودية أولاً

  • 1/22/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أن أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برامج التحول الوطني ومحاور رؤية المملكة 2030، وصرنا نقول بملء أفواهنا: السعودية أولاً. نعم اليوم سعودية جديدة، شعارها الوحيد مصالحنا أولى من المجاملات، مستقبلنا قبل التضحيات دون مقابل. وعلى الرغم من أنَّ المراقبين راهنوا على صعوبة التنفيذ، وصدحوا أنَّ هذه الخطط مجرد حبر على ورق، وأحلام لا يمكن تصور حدوثها على أرض الواقع، إلا أنَّ القيادة الحازمة وذات الرؤية الواضحة، جعلت هذه الرؤية واقعاً يلمسه القاصي قبل الداني. يأتي على رأس ما تحقق في رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للوطن التحوّل المؤسسي في تحسين بيئة العمل ورفع كفاءة آليته في الجهات الحكومية، فمؤشرات الأداء صارت هي فيصل الحكم عبر نشرها للعموم، وجمعها وتحليلها بواسطة المركز الوطني لقياس الأجهزة العامة. وتحقيق الأهداف قبل موعدها أضحى ما يتوقعه الجميع من أي مؤسسة حكومية. والأهم هو تقارب تلك الأجهزة الحكومية من بعضها وتجاوز مرحلة العمل على جزر منفصلة كما كان يحدث سابقاً، إلى واقع التكامل بين الجهات، والتسابق على رفع نسب رضا الخدمات المقدمة للعملاء. ولم يكتف الأمير محمد بن سلمان بهذا النجاح الداخلي، وإنما واكبه بتطوّر مفصلي في السياسة الخارجية للمملكة، التي أضحت أسرع وأكثر حزماً وحرصاً على تحقيق مصالح المملكة أولاً، مع التركيز على تعميق البعد العربي والإسلامي للمملكة كونها القلب النابض للأمة العربية وحاضنة الحرمين الشريفين، وما نشاط المندوبية الدائمة للمملكة لدى الأمم المتحدة إلا أكبر شاهد على ذلك، أيضاً كونها عضواً في مجموعة العشرين جعل المملكة تنال مزيداً من التقدير والاهتمام الدولي، وتصبح محط أنظار وقِبلة زعماء العالم. فـ “السعودية أولاً” ليس مجرد شعار، بل هو شعار مرحلة جديدة، تستلزم التكاتف والتعاون، وبذل الجهد الصادق، لأنَّ ما يحدث اليوم هو ربط مشاريع التحديث السعودية، لا بالأميركيين، بل بأفضل ما عندهم، وليس باليابانيين بل بأفضل ما في تجربتهم، وهكذا تستقطب المملكة كل ما يوفر للمواطن عيشًا يليق به ومستقبلاً يعيشه في رفاه ورخاء. نحن اليوم أمام مشروع سعودي بات واضحاً للجميع، واللافت أكثر أن هذا المشروع بهذه الرؤية فأمام كل التزام هناك التزام مقابل، وهذا النوع من العلاقة يمتد من غير ارتباط بزمان محدد، ولا يتأثر بظرف أو آخر، .فكل طرف في هذه العلاقة يعلم ماذا يريد الطرف الثاني، وذلك ما يجعل الرهانات من الخارج تتداعى واحداً تلو الآخر، فالأمير محمد بن سلمان يريد تعاوناً مع دول عظمى بجميع التفاصيل، وهو بذلك يستند على حزمة إصلاحات في الداخل لجوانب عدة. السعودية اليوم، هي سعودية الأمس، لم تتغير مبادئها، ولازالت تحافظ على هويتها الإسلامية، إلا أنّها صارت أيضًا أحد أبرز عوامل استقرار الاقتصاد العالمي، ولعل لنا في اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنَّ استقرار اتفاق النفط يعود الفضل فيه أولاً وأخيرًا للأمير محمد بن سلمان مثالاً. واليوم يتضح في شكل أكبر ثقلها العسكري والاستراتيجي، الذي نراه جليًا في قرارها إطلاق عاصفة الحزم بالتعاون مع التحالف العربي، وتشكيلها التحالف الإسلامي العسكري، وهذا كله فضلاً عن ثقلها السياسي، إذ نراها تتواصل كدولة طبيعية من غابات آسيا شرقاً إلى أنهار الغرب الأميركي غرباً، مروراً بأدغال إفريقيا، ولا شك أنَّ ذلك كله لم يأتِ من فراغ، بل من جهد عظيم يتم القيام به، ليتبلور خلال عامين فقط، حقيقة وواقعًا. تصدرت السعودية دول منطقة الشرق الأوسط كأكبر اقتصاد في عام 2018 من حيث الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية “الاسمي” بقيمة 784 مليار دولار. والناتج المحلي الإجمالي الاسمي هو عبارة عن القيمة السوقية لإجمالي السلع النهائية والخدمات التي يتم إنتاجها في دولة ما بأسعار السوق الحالية. وتوقعت وزارة المالية السعودية أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بالأسعار الجارية بنسبة 6.4% خلال العام الجاري 2019، ليبلغ 3.13 تريليون ريال. هذه النتيجة لم تأت من فراغ، بل بعد أعوام من العمل الدؤوب لتحقيق طموح عراب رؤية 2030، سخرت خلالها الدولة كل طاقاتها لتهيئة فرص العمل والاستثمار وجودة الحياة التي يتطلع إليها المواطن، تتضمن الحاجات الخمس، السكن الجيد، والتعليم الممتاز، والخدمة الصحية، والرفاه بمعناه المتعارف عليه عند البشر. والمملكة اليوم، حققت قفزة تنموية هائلة، عبر عنها برنامج اقتصادي طموح، أعد في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يترأسه الأمير محمد بن سلمان، في مشروع قائم على فتح الاقتصاد كاملاً وجذرياً أمام كل فرص الاستثمار الذي استفادت منه دول العالم، وعدم حصرها في العوائد النفطية فقط، بدءاً من فرص التعدين، والسياحة، والإسكان، والخدمات البنكية، والتمويلية، والتعليمية، والصحية، وانتهاءً بالاستفادة من الميزات التنافسية الهائلة التي حباها الله لهذه الأرض. الأمير الشاب لا يكتفي بإدارة عادية للملفات إنما يبادر إلى تغيير نمط العمل فيها، وصولاً إلى تغيير جيوسياسة المملكة، والمنطقة بأكملها، لاسيّما أنَّ رؤية 2030 تستجيب للتبدلات الجيوسياسية العالمية في قطاع النفط، مع اكتشاف النفط الصخري وبدء الولايات المتحدة الأميركية استخراجه ابتداءً من العام 2010. ما أدى إلى تراجع استيرادها للنفط من نسبة 60% من قيمة استهلاكها عام 2005 إلى 27% عام 2014، وهو ما من شأنه تراجع حاجة واشنطن إلى نفط المملكة، وتراجع طبيعي لتحالف “كوينسي”، القائم منذ العام 1945، على “النفط مقابل الأمن”. ترافق هذا المعطى الجديد في مجال الطاقة مع أحداث أخرى سياسية وأمنيّة، وأكّد للمملكة حاجتها إلى الاعتماد على ذاتها في حماية أمنها وأمن الخليج العربي، وذلك من خلال اقتصادات أكثر استقراراً وقوّة عسكرية ذاتية. وبات من الواضح أنَّ المملكة بدأت خطوتها الأولى في الطريق إلى تطبيق هذه الاستراتيجية، التي تقوم على قاعدة أساسية واحدة، وهي: “السعودية أولاً”. صورة طابور البرجر تجعل بيل جيتس حديث العالم على مواقع التواصل

مشاركة :