بدلت اسرائيل جهوداً سياسية ودبلوماسية محمومة لعقد مؤتمر “أفريقيا وإسرائيل” الذي كان مقرراً عقده في “لومي” عاصمة توغو في نهاية أكتوبر / تشرين الأول عام 2017، تحت عنوان “التنمية والأمن التكنولوجي”، إذ لم تنجح في الحصول على إجماع إفريقي وحالت عدة دول إفريقية وعلى رأسها جنوب إفريقيا من تمكين عقد هذا المؤتمر، وحتى الآن فشلت إسرائيل في مساعيها للحصول على مقعد مراقب في الاتحاد الإفريقي رغم تأييد عدة دول وعلى رأسها إثيوبيا التي تحتضن عاصمتها مقر الاتحاد. إلاّ أن نجاح بنيامين نتنياهو بتسجيل ما أسماه “اختراق تاريخي” للقارة السوداء عبر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولة العبرية وتشاد إثر زيارته الأخيرة لها قبل أيام، يشكل خطوة بالغة الأهمية في التوجه الإسرائيلي والتمدد في القارة الإفريقية للاستفادة من امكانيات واسعة للدولة العبرية، عدة دول إفريقية بحاجة ماسة لهذه الامكانيات خاصة في مجال الخبرات الاسرائيلية المتعلقة بالأمن والتكنولوجيا والاستخبارات ومكافحة الإرهاب والتكنولوجيا الزراعية، وتشاد إحدى هذه الدول التي تجاور كل من السودان وليبيا حيث مزيد من التوترات والثورات التي تهدد أمنها شرقاً وشمالاً علماً أن العلاقات الأمنية بينهما أخذت تتزايد بعد أن واجه نظام إدريس ديبي ثورات مسلحة على حدود الدولة وداخلها، عندها أمدت إسرائيل “أنجامينا” بالمعدات العسكرية التي ساعدت النظام في إفشال التمردات التي نشبت ضد نظامه وذلك رغم عدم وجود تبادل دبلوماسبي بين البلدين. وبالعودة إلى الوراء، في محاولة لقراءة تطور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، فإن بدء وانطلاقة هذه العلاقات كانت عندما أصبحت إسرائيل أول دولة تعترف بدولة غانا بعد أقل من شهرٍ واحد بعد حصول هذه الأخيرة على الاستقلال عام 1957، مع ذلك لم تتوسع هذه العلاقات وتمتد إلى مزيد من الدول الإفريقية مع بعض الاستثناءات، وقد مثلت حرب 1967 والعدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا وفلسطين، سداً منيعاً أمام نمو هذه العلاقات، إذ نظر الأفارقة إلى إسرائيل باعتبارها دولة احتلال وتحتل جزء من دولة افريقية هي مصر، في الوقت الذي كانت هذه الأخيرة ومعظم الدول العربية تدعم وتساند حركات التحرر الإفريقية، الأمر الذي أدى في العام 1972 إلى قطع العلاقات بين عدة دول افريقية وإسرائيل، أوغندا وتشاد ومالي والنيجر والكونغو برازافيل وبورندي وزائر وتوغو. وقبل اندلاع حرب 1973 بين اسرائيل والعرب كانت الدولة العبرية تقيم علاقات دبلوماسية مع 25 دولة افريقية، إلاّ أن هذا العدد تقلص بعد الحرب إلى خمسة دولة فقط جنوب أفريقيا، ليسوتو، مالاوي وسوازي لاند، موريشيوس، وذلك دعماً لمصر التي قامت باستعادة أراضيها المحتلة من قبل إسرائيل على أن بعض الباحثين المتخصصين يرى إن ذلك يعود إلى حاجة هذه الدولة للدعم المالي العربي وإلى الدور الذي لعبه العقيد القذافي الذي أسهم في دعم كل الدول التي لم تعترف بإسرائيل أو تلك الدول التي تقطع علاقاتها معها. ومع أن العلاقات الدبلوماسية والسياسية قد تقلصت إلى حد كبير بين الدولة العبرية والدول الإفريقية إلا أن إسرائيل ظلت على علاقات وطيدة مع معظم هذه الدول خاصة في مجالي الزراعة والتكنولوجيا، فقد بلغت التجارة بينهما إلى 105 مليون دولار عام 1978، بعدما كانت قرابة نصف هذا المبلغ في السابق. وفي مقاربة غريبة، فقد أقدمت كل من أفريقيا الوسطى وكينيا وأثيوبيا على اعادة علاقاتها مع إسرائيل أثناء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1978، والمفارقة أن هذه الدول بررت ذلك بهدف “الإسهام بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وتشجيع الطرفين على بدء مفاوضات حول المسيرة السلمية”، وكأن هذه الدول الهامشية تمتلك هذا التأثير في هذا المجال. في العقد الأخير من القرن الماضي جرت عدة متغيرات على الخارطة الدولية، سقوط الاتحاد السوفيتي وتأثير ذلك على عدد كبير من الدول الإفريقية كانت تسير في فلك سياسة موسكو، ثم عقد مؤتمر مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل، عندها أعادت ثمانية دول افريقية علاقاتها مع إسرائيل عام 1992، وبعد خمسة سنوات أصبح هناك 48 دولة افريقية تقيم علاقات دبلوماسية معها على خلفية عملية السلام التي شكلت تبريراً لهذه الدول لاتخاذ هذا الموقف باعتبار أن العرب أصبحوا في سياق التوصل إلى سلام في إسرائيل الأمر الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في العلاقات الإفريقية مع الدولة العبرية التي لم تعد دولة احتلال وعدوان طالما هناك مفاوضات ومسيرة سلام بين الجانبين. إن الجهود الإسرائيلية في السنوات الأخيرة لتحقيق اختراق واسع في القارة الأفريقية يعود بشكل أساسي إلى القوة العددية التصويتية لدول القارة في الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية، ومن المؤكد أن القيادة الإسرائيلية قد قرأت بدقة مواقف هذه الدول أثناء التصويت على مشاريع القرارت الدولية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي ولاحظت أن الكتلة الإفريقية لا تصوت بشكلٍ عام لصالحها، من هنا كانت هذه الجهود قد تركزت مؤخراً على مثل هذا الاختراق بهدف تجيير مزيد من الدول الإفريقية للتصويت لصالح إسرائيل أو على الأقل الامتناع عن التصويت وعدم التصويت لصالح القضايا العربية وفي الجوهر منها القضية الفلسطينية. إلاّ أن التبادل الدبلوماسي بين اسرائيل وبعض الدول الافريقية لا يعني بالضرورة تصويت هذه الدول بشكل أوتوماتيكي للدولة العبرية ذلك أن فلسطين تتبادل العلاقات الدبلوماسية مع معظم هذه الدول بما فيها تلك التي تقيم علاقات مشابهة مع اسرائيل، ما يعني أن لا يجب الاستسلام إلى مثل هذا الاختراق وتأثيره على عملية التصويت في الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية. إن هرولة دول عربية للتطبيع مع الدولة العبرية من شأنه أن يسهل لهذه الدول إعادة علاقاتها الدبلوماسية المقطوعة مع دولة الاحتلال، مع ذلك لا يجب إغفال أن هناك إمكانيات للتأثير إذا ما أحسنا رسم سياسياً صحيحة وبالاستناد إلى أن هناك دول إسلامية وجاليات عربية وإسلامية لها تأثيرها في معظم الدول الإفريقية، ذلك إذا ما تم تنظيم هذه المجتمعات لمجابهة الجهود الإسرائيلية الرامية إلى مزيد من الاختراقات في القارة الإفريقية.
مشاركة :