صدر حديثاً كتاب عن السرطان للطبيب والمؤلف سيدارثا مخرجي، عنوانه «امبراطور كل الامراض». وكان السرطان قد تربّع على عرشه لآلاف السنين. ولمناسبة اليوم العالمي للسرطان، جئنا لنقول ان هذا «الامبراطور» خسر الكثير من جبروته، وبدأ يسقط تدريجاً عن عرشه. وذلك بسبب التقدم العلمي الكبير والمعرفة المتراكمة عن ماهية المرض وكيفية القضاء عليه. ولكنه يؤلمني ان أقول انه لا تزال هناك هوة كبيرة بين حجم المعرفة التي نملكها اليوم والنسبة الضئيلة منها التي تستعمل واقعياً في معالجة هذه الامراض والوقاية منها. لقد كانت الانجازات في تطوير أدوية جديدة وعلاجات أكثر فعالية كبيرة جداً، الا ان التقدم الذي يعنى بالوقاية من هذه الأمراض كان أكبر. وها نحن اليوم قد تمكنا من الوقاية منها بنسبة 75 في المئة. انه لمهم جداً أن نؤمّن أفضل علاج للمرض لكن من الأهم بكثير أن نؤمّن الوقاية منه. لذا اخترت اليوم أن تكون الوقاية محور المقال هذا. أولاً - أثبتت الاحصاءات الحديثة ان 25 في المئة من الامراض السرطانية على الأقل يعود سبب الإصابة بها الى التدخين. فلو تمكنا من تطوير سياسات صحية فعالة للقضاء على التدخين، نكون وفّرنا على البشرية 2.8 مليون إصابة سنوياً. ثانياً - من أهم ما تعلمناه في السنوات الخمس والعشرين الماضية ان 30 في المئة من الامراض السرطانية تسببها التهابات جرثومية تقليدية. كما تعلمنا ايضاً ان معالجة هذه الالتهابات تمنع الاصابة بهذه السرطانات. ان الشفاء من هذه الالتهابات يتم إما بواسطة التلقيح وإما باستعمال المضادات الحيوية. بالنسبة الى التلقيح، أصبح لدينا لقاحان: واحد ضد سرطان عنق الرحم، وآخر ضد سرطان الكبد. الاول يقضي على الالتهابات التي سببها الفيروس «Human Papilloma Virus» في عنق الرحم وبالتالي يمنع الاصابة بالسرطان. لذلك اصبح من الضروري تلقيح جميع الاناث بين عمر 10 و30 سنة. أما سرطان الكبد وهو من أكثر الامراض انتشاراً في السعودية ومنطقة الخليج العربي، فمن أهم أسبابه التهاب جرثومي بفيروس C hepatitis، واللقاح ضد هذا الفيروس يمنع الالتهاب الجرثومي وبالتالي الاصابة بسرطان الكبد. أما المنحى الثاني لمعالجة هذه الالتهابات فهو استعمال المضادات الحيوية. والامثلة هنا عديدة. فبعض سرطانات المعدة تسببه بكتيريا اسمها H.pylori. وسرطان المثانة وهو من أكثر السرطانات انتشاراً في مصر والعراق، ويسببه في البلدين الالتهاب الناتج عن جرثومة البلهارسيا. ثالثاً - هناك 20 في المئة من الامراض السرطانية يمكننا الوقاية منها بالتقيد بهذه الارشادات: 1 - عدم التعرض لأشعة الشمس لمدة طويلة، ومنع استعمال الاشعة فوق البنفسجية في صالونات التجميل. 2 - الإقلال من مادة الأسبستوس التي كثيراً ما تستعمل في بناء المنازل والأبنية. 3 - التأكد من ضبط المفاعلات النووية وعدم تسرب الاشعاعات منها. وعدم تكرار ما حصل في تشيرنوبل. 4 - الإقلال من استعمال المواد الكيماوية في تحضير الطعام وحفظه. كما ان نصيحتي هي القليل من الطعام والكثير من الرياضة. فقد أثبتت الأبحاث العلمية ان السمنة ترفع نسبة الاصابة بالسرطان. 5 - عدم الافراط في شرب الكحول. في هذا اليوم بالذات نتوجه الى حكّام العالم والى جميع المؤسسات التي تُعنى بقضية الصحة بما فيها منظمة الصحة العالمية ونقول: هناك 14 مليون إصابة جديدة بالسرطان سنوياً، ونحن قادرون بالمطلق على الوقاية من عشرة ملايين إصابة منها. هل تريدون الإصرار على الفشل؟ أم تريدون أن تجعلوا من هذه الاحصاءات حافزاً لوضع سياسات صحية قابلة للتطبيق للوصول الى أهدافنا؟ ألم يحن الوقت لنضع قضية الصحة في أعلى سلم أولوياتنا؟ كما ان المسؤولية تقع على عاتق كل واحد منا. فالحياة هي هبة من الله، والصحة هي المدخل الى الحياة. الحفاظ على الصحة هو تمجيد لعمل الله. ولولا الحياة لم يملأ مجد الله هذه الارض. كل امرئ سيموت في يومه. هذا هو الناموس. إلا أن هناك فارق كبير بين أن يموت المرء في يومه أم يموت في يوم غير هذا اليوم
مشاركة :