المهراجا.. كوميديا تقع في فخ التسطيح و«التهريج»

  • 1/23/2019
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

مارلين سلوم نجاح العمل الفني، سواء كان تلفزيونياً أم سينمائياً، يغري صناعه لإعادة التجربة بعمل آخر، فيقع كثير منهم في فخ التكرار والانشغال بالمفردات والشكل العام على حساب المحتوى الجدي؛ لذا تأتي القصص فارغة من مضامينها، ويُكتب للعمل الفشل سلفاً. الكاتب رافي وهبي وقع في هذا الفخ، حيث أراد استثمار نجاح فيلم «بالغلط» (2017)، مع زياد برجي وشركة الإنتاج «فالكون فيلمز»، بفيلم ثان «المهراجا»، الذي يعرض حالياً في الإمارات، فجاءت النتيجة مخيبة ودون المستوى المأمول. «المهراجا» فيلم كوميدي رومانسي، كغالبية أعمال زياد برجي والتي نجح من خلالها في الوصول إلى شريحة أكبر من الناس، وهو المعروف بأغانيه وألحانه العاطفية الجميلة. نجح برجي في التمثيل أيضاً، بفضل عفويته وبساطته في الأداء، خصوصاً أنه شكّل فريقاً «ظريفاً» مع عباس جعفر ودانا حلبي ووسام سعد (أبو طلال)، الذين يرافقونه سينمائياً، ويعملون في انسجام واضح، ما يسمح للفريق بتقديم نفسه في أكثر من عمل. لكن في «المهراجا»، جاءت الكوميديا «تهريجاً» ذكرنا ببعض الأفلام «الساذجة» القديمة أيام كانت السذاجة جزءاً من البساطة المحببة إلى قلوب المشاهدين في زمن الأبيض والأسود، والتي لم تعد تجد لها مكاناً في وقتنا هذا، ولا هي مقبولة وسط التطور التقني والفكري والإبداعي المبهر في السينما الحديثة. ماذا عن المضمون؟ إنها قصة السيدة سهام (جوليا قصار) التي يطاردها طيف زوجها في الفيلا منذ وفاته، وتسعى مع ولديها زينة (داليدا خليل) ومازن (إدمون حداد) لحل أزمتهم المالية بعد اكتشافهم أن الأب لم يترك لهم سوى الفيلا التي يعيشون فيها، وحساب في مصرف بسويسرا، عليهم إيجاد رقمه السري كي يتمكنوا من الحصول على ما فيه من أموال. يستغل النصّاب كريم قصة سهام وترددها على طبيب نفسي، مدعياً أنه «مهراجا» قادم من الهند، عالم بالطاقة الإيجابية، قادر على التواصل مع «روح المرحوم» ليحصل منه على الرقم السري ثم طرده من الفيلا لتعيش الأسرة بسلام. يعاون المهراجا ابن خالته عباس (عباس جعفر) وصديقتهما صوفي (دانا حلبي). كان من الممكن اللعب على الفكرة لتقديمها بطريقة ذكية، وترابط الأحداث فيها بشيء من المنطق. لكن وهبي اعتمد على تيمة فيلم «بالغلط» دون التعمق في أبعاد الشخصيات والأحداث. لم نفهم مثلاً، كيف تتطابق الكثير من تفاصيل حياة كريم وصوفي وعباس، مع تفاصيل ومكان إقامة وظروف حياتهم في فيلم «بالغلط»، حيث ظهروا بأسماء مختلفة رامي ونوجا ويبقى عباس نفسه في كل الأعمال؟ علم النفس، الأموات والأشباح، سيناريوهات النصب والاحتيال، التنصت عن بعد، معدات التصوير والمؤثرات الصوتية والتجهيزات التي يتولى مسؤوليتها عباس، خداع المحبوبة ووقوعها في غرام البطل، وعودتها إليه حتى بعد اكتشافها أنه كذب عليها وخدعها.. إنه قالب واحد في عملين. لم نفهم إن كان المقصود أن تترسخ في أذهاننا صورة هذا الثلاثي سينمائياً كعصابة نصب واحتيال، عذرها أنها من الطبقة الفقيرة، رغم أن البطل لا يبدو معدوم الحال، بل يظهر دائماً متعلماً مثقفاً، وهل سترافقنا في أفلام عدة إنما بأسماء مختلفة؟ المنطق يغيب عن تسلسل الأحداث وترابطها، لا تسأل كيف ولماذا، لأنك لن تجد الإجابة، طالما أن الكاتب تعامل مع العمل ومع الجمهور بهذا القدر من الاستخفاف، وكأنه علينا أن نلغي العقل تماماً ونصدق أي شيء وأي كلام. زياد برجي بدا كمن «يتمشى» في أرجاء بيته، يؤدي دوره باستسهال، حتى مشاعر البطل «كريم» في حالتي الحب ولوعة الفراق لم تمسنا، أو تحرك فينا أي إحساس للتعاطف معه ومع حبيبته. مقابل برجي، أطلت داليدا خليل بشخصية «زينة» الفتاة الجميلة، ابنة السيدة سهام، التي يدخل إلى حياتها كريم نصاباً وينتهي به الأمر عاشقاً. هي أيضاً لم تمنح الدور أي مجهود، فانشغلت بإطلالتها ودلالها وابتسامتها ونظراتها «الفاتنة» الخالية من أي تعبير حقيقي أو عمق يأسر المشاهد. تراجع حضور أبو طلال في هذا العمل ليكون مجرد ضيف في مشهد واحد، كما ظهر سعد القادري أيضاً كضيف شرف، بينما مُنح سلطان ديب مساحة أكبر قليلاً من خلال شخصية «أبو صره»؛ الفنان غبريال يمين أدى دور المحامي المعجب بسهام كضيف شرف أيضاً. يبدو أن تخلي برجي عن ثنائيته الناجحة في مجموعة تجارب سابقة مع المخرج السوري سيف الشيخ نجيب، ليتعاون مع المخرج فادي حداد في أول عمل سينمائي له -المعروف في إخراج الأغاني المصورة «فيديو كليب»-، انعكست سلباً على الفيلم، الذي جاء ضعيفاً. الكوميديا لا تعني السذاجة، ولم يعد كافياً اليوم الثناء على نقاء الصورة وجمال الألوان، ففي عالم التقنيات الحديثة، صارت هذه الأمور من البديهيات، وأصبح بالإمكان تصوير أفلام بكاميرا الهواتف، لذلك لا يمكننا الإشادة بفادي حداد سينمائياً، لأن ما قدمه في «المهراجا» يبدو عادياً في وقت تتقدم فيه السينما اللبنانية وصارت تنافس بقوة عالمياً، من حيث القصة والإخراج والتمثيل، وتحصد الجوائز. marlynsalloum@gmail.com

مشاركة :