من الحمق مطالبة: ابن خلدون بأن يكون في واقعه نسخة طبق الأصل عن: المثالية التي نزع إليها في فصول: المقدمة! ذلك أنه بشر يشبه كل الذين أتى عليهم ذكرا في تاريخه: العبر فيما: المقدمة كانت في جملة كبيرة منها تشبه الاشتغال تنظيرا لمجتمع: ملائكي.. بمعنى أن: المقدمة قد أمعنت في افتضاح: سيرة ابن خلدون إذ نقضت أسس منهجيته التنظيرية لما أن اصطدم بواقع: عين عاش تفاصيله بوصفه: ابن خلدون البشر فألفيناه خلقا آخر على نحو من تناقضات: مخجلة فيما بين القول والفعل وهو: المقت الكبير الذي حذرنا الله من مقاربته.. وذلك: التناقض الفج/ والسافر يأتي وفق شهادة العدول من مجايليه والتي يمكن الوقوف عليها في أبرز محطات سيرته.. والتي منها: * له شغف بـ: المناصب بلغ حدا أباح له أن يتوسل (أي شيء) في سبيل الظفر بالمنصب كبيرا كان أو صغيرا. يقول المقريزي: رحم الله شيخنا ما أشد حبه للمنصب. * حين يكون بعيدا عن تقلد أي منصب تراه في غاية النبل، إذ يتمتع بالتواضع وحسن العشرة والسمو تعاملا مع من يعرف ومن لم يعرف، حتى إذا ما عاد ثانية للمنصب لم يمش سويا وإنما انكب على وجهه على غير هدى. * لم يكن ثمة من أحد يشبهه: عجبا وامتلاء بنفسه لما أن يتولى: القضاء، ولا تلبث أن تراه حينها: قاسيا في إصدار الأحكام، غير مكترث بأقرانه والأعيان، إذ يطالهم بكل ما من شأنه إذلالهم والنأي بهم عن: المناصب، ابتغاء أن تكون خالصة له من دون الآخرين!.. ولا تسأل إبان: قضائه عن الجور والفتك بـ: الشهود! * لا يجد أدنى حرج في صناعة أي: مكيدة وعلى أي نحو يسلكه طريقا يلتمس به إساءة لـ: أقرانه، أصحابا كانوا أم خصوما، وما من أحد له شيء من عناية بفحص: سيرته إلا وقد عرف حكايته الأشهر يوم أن زور: ورقة على أحد: أقرانه ممن هم أكبر منه سنا/ وقدرا من: القضاة يبتغي بذلك: توريطهم في معضلة: سياسية كانت كفيلة بأن تغيب شمس هذا القاضي: الكبير لا عن: منصب القضاء وحسب وإنما عن الحياة برمتها! لو لا أن الله تعالى لطف إذ افتضح شأن: التزوير فنال جراء عمله: المشين العقوبة المستحقة عزلا وما يلحق بالعزل عادة من سجن وتضييق! * كان: ميكيافليا وبامتياز، ويكفينا شاهدا على ذلك ما كان منه من خيانة لبلاد المسلمين والتي لا يمكن لها أن تغتفر بأي حال، إذ وظف قدراته كافة في سبيل خدمة الغزو التتري على يدي: تيمور لنك، وقصة هذا الأخير الدامية ليست بخافية على أي أحد، إبان استباحته قلعة: دمشق فضلا عن صناعته لـ: تيمور لنك الخرائط التي تمهد للأخير عزمه على غزو بلاد: المغرب العربي! إضافة إلى كل ذلك كان يكابر ويقسم بأن: تيمور لنك أعظم حاكم منذ آدم وإلى العصر الذي جاء فيه: تيمور لنك!، (باستطاعتك أن تعرف تفاصيل هذه الحكاية وسواها بالرجوع إلى بحث د. جمعة شيخه عن ابن خلدون وما كتبه حسين سرمك عن حقيقة هذه الخيانة الخلدونية). بعيدا عن كل القراءات التبجيلية الموغلة تسطحا في تضخيم شخص: ابن خلدون والتي يمكنك أن تقرأها ظاهرة لدى كل من الجابري وأومليل وجدعان والطالبي وقبلهم علي عبدالواحد باستثناء قراءة: عزيز العظمة تلك التي جاءت مغايرة عن سابقاتها إلى حد ما. وبعيدا أيضا عن زخم الاحتفالية بـ: المقدمة والمبالغة التي حظيت بها لا بد من القول بـ: إن مثل هذه المنهجية الغالية في قراءة: المقدمة قد أدت بشكل أو بآخر وعلى نحو سافر إلى تقويل: ابن خلدون ما لم يقله في: المقدمة، وذلك بدفع: عاطفي من توغل الانهزامية التي تتلبس دواخلنا حتى تكون لنا على: الغرب دالة/ نسجل من خلالها لنا عليهم سبقا! لا ريب أن لـ: المقدمة حظا من عبقرية جديرة بأن تجعل من: ابن خلدون فذا فيما كتب، مع أن: سيرته تأتي على خلاف مما نود أن يكون عليه! إن ابن خلدون كشخصية تاريخية كان يفتقر لـ: العقلانية، والتي كان مبشرا بها في أعطاف: مقدمته في حين ألفيناه - كشخصية تاريخية - هو ألصق بـ: العبر والذي في مجمله كان تدوينا يمضي في الاتجاه الذي يؤسس للاستبداد بعقلية تبريرية لم يكن فيها تاريخه: العبر استثناء عن كثير من كتب تاريخنا الأخرى! خلاصة ما يسعني إيجازه هو: التوكيد على أن نكون على شيء من تواضع تعاملا مع: أعلامنا من حيث إنجازهم هذا أولا، أما ثانيا: فلا بد من الفصل فيما بين ما يكتبون وبين: شخصياتهم، عسى أن لا نتورط في حالة من تقديس لا نلبث من بعدها أن نكتشف شيئا آخر وبالضد، مما كنا نعتقده وحينها سنحيل: التقديس السابق إلى حالات من: تدنيس لا يخلو من فجور! *هامش: اقرؤوا في كتاب: التعريف ورحلته شرقا وغربا حكاية ابن خلدون بقلمه عن بغلته وإعجاب تيمور لنك بها! لنفقه جيدا كيف أن: الطغاة من مثل: تيمور كم هم يحبون: البغال! نقلا عن مكة
مشاركة :