في روايته «بأي ذنب رحلت؟» يطوف بنا الروائي المغربي المرموق محمد المعزوز في عوالم متعددة غنية ومتشعبة، بقدر اتساع ثقافته الفلسفية والأدبية وغنى تجربته الفكرية والسياسية. الرواية تتميز بثلاث سمات كبرى نادرة في الرواية العربية المعاصرة: البنية السردية قوية السبك، وعمق التأمل الفلسفي، وجمالية اللغة. لرواية المعزوز مداخل ثلاثة متمايزة: المدخل الاجتماعي الذي تحيل إليه قصة رؤوف الشاب السياسي اللامع الذي خاض تجربة العمل السياسي في عنفوانه قبل أن يستسلم لموازين الواقع الاجتماعي، وينخرط في ابتذال الوجود اليومي بإكراهاته، مجسدا صورة الشاب المثقف الذي يجرفه منطق التكيف والتأقلم مع سياقه المجتمعي، فيضحي بمثله الحالمة ويعجز عن دفع ثمن التغيير، بما يطرح السؤال المحوري حول قدرة الأفكار على التغيير في مواجهة أعباء التاريخ وصلابة التقليد. المدخل الفلسفي الذي تحيل إليه قصة البطل عبد الله الفيلسوف المحبط الذي فقد زوجته راشيل المنتحرة، وفقد ابنته راحيل فقضى أيامه الرتيبة في مدينة وجدة، مبرهنا على أن ثمن التأمل والتفكير المعمق في الحياة هو هذه العزلة التي طالما ركن إليها الفلاسفة من افلاطون إلى هايدغر في بيان جلي أن الاستغراق في صخب الحياة يبعد عن جرأة السؤال وثراء الاندهاش الذي هو مصدر التفلسف الحقيقي. المدخل الفني: الذي ترمز إليه قصة الفنانة التشكيلية المنتحرة راشيل التي خلفت لابنتها لوحة فريدة اختزنت كل معاني الحنان والمودة وقصة ابنتها العازفة راحيل. في القصتين تأكيد على قوة الفن وقدرته على فك طلاسم الوجود الغامضة واستكشاف سبل الحياة المعتمة والتغلب على مأساة القدر التي لا انفكاك منها. الفن والفلسفة والسياسة عوالم ثلاثة تتأرجح رواية المعزوز بينها في نفس أدبي قوي وعمق فلسفي كثيف ومسحة نقدية صارمة، بما يجعل من هذه الرواية نصاً سردياً متيناً، ينقل مؤلفه إلى مصاف كبار المبدعين في الرواية العربية.
مشاركة :