محمد المعزوز: أبحث عن كيمياء الذات العميقة

  • 3/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

«هناك تقاطعات معقدة بين الأنثروبولوجيا والسياسة والفلسفة والجمال، لأن محورها الإنسان، ذلك الحمّال لكل أوجه التقاطعات المعقدة التي أساسها العقل والوجدان وما ينتج عن تحاورهما من أسرار لها علاقة بالقلق والخوف، قد يصل العقل تلك الكينونة العميقة، ولكن بمقدار، لأنها غير قادرة عن التوغل في ما وراء اللامحسوس الذي قد نقصد به الوجدان أو الروح أو السرمد القابع هناك، والرواية القوية هي التي تلامس هذا الخفي من خلال حدوس الإنتربولوجية والسياسة والفلسفة والجمال».. بهذه الكلمات بدأت إجابة محمد المعزوز على أسئلة «الاتحاد»، حول ترشيح روايته الأخيرة «بأي ذنب رحلت» على القائمة القصيرة لجائزة (البوكر العربية). يؤكد المعزوز أنه لم يتخذ الكتابة الروائية قناعاً، أو وجهاً إضافياً للسياسي الذي بداخله، مضيفاً: لا تعتبر الكتابة الروائية ذاك الوجه المباشرة للحضور السياسي، أو تلك اللعبة العجيبة لممارسة التخفي والتقية السياسية، الكتابة الروائية دويّ مزلزل يخترق العقل ويعبر الوجدان بحثاً عن كيمياء الذات العميقة التي تجد تعبيراتها في القلق والتوتر، وتكشف عن أنطولوجية الكينونة ذاتها، وعن الإنسان الكلي، عن الخفايا التي لا تطالها الكتابة المباشرة، سواء كانت عقلية أو غير إبداعية. لكن، لماذا اعتمد أسماء راحيل وراشيل في رواية «بأي ذنب رحلت»، وليس فاطمة ومريم الفلسطينيتين؟ أجاب: لأن راحيل، برغم دلالة الاسم اليهودي التي تحمله باعتبارها زوجة النبي يعقوب وأم النبي يوسف، فإنها تاريخياً ماتت وهي في مرحلة المخاض، هنا، تم استلهام هذه الحادثة للتعبير عن تراجيدية موت راحيل في الرواية وهي في مخاض العزف تجتهد في التواصل مع الناس عبر الموسيقى، ولأن اسمها يدل على اسم راشيل تاريخياً، فقد تم التحايل عليه سردياً لتكون راشيل في الرواية هي أم راحيل، الاسم نفسه يدل على الامتداد نفسه والمعاناة ذاتها. وأضاف: راحيل اسم واقعي لعازفة البيانو تم استثماره روائياً لتأسيس سردية تتعالى عن الخلفيات الدينية والعرقية في دلالة الأسماء وحضورها الفكري والإبداعي، في أفق بناء اسم كوني لا يقيم الفواصل ولا يثير الحساسيات بين فاطمة وراحيل مثلاً، وغير مرتبط بالمكان والزمان والهويات المنغلقة. وأكد أنه تأثر بشخصيات فكرية وإبداعية عديدة، منها ابن رشد وساتر ورونيه شار والعروي وفوكو ودُلوز وجعيط والجابري ونجيب محفوظ وأحلام مستغانمي وَعَبَد الرحمن منيف وكوندرا وحيدر، وغيرهم كثير، مضيفاً: تأثرت بكل الذين كتبوا عن الإنسان بكثير من الجدة. وأجاب عن الصراع التراجيدي الراهن القائم على التطرف، وتجميل القبح، وتزييف الواقع، قائلاً: هناك صور كثيرة من القبح والبشاعة تتناسل بقوة في مجتمعنا العربي، أهمها صور التكفير والعنف، لقد أصبح الفضاء العربي العام مؤثثاً بالتوتر وفقدان الثقة واكتساح الفهم السيئ للدين، وأصبح الفقيه المفتي اليوم يلبس جبة السياسي حتى لا يسمح بالاختلاف، ولا للوطن أن يتسع للجميع، لذلك بدأت مساحة الجمال تتقلص، تتوارى إلى الخلف أمام قبح التعصب والاستئصال باسم العرق والدين. وتابع: مفهومي للأخلاق بمنأى عن المحدد الميتافيزيقي الذي يجعل من المفهوم (الأخلاق) متعالياً عن الواقع والمصلحة، لذلك، الأخلاق تعني الاحتماء بالآدمية لتجنيب الإنسان السقوط في الحيوانية والبشاعات. بينما رأى أن منطوق عبد الله كبائع خبز متناسب مع منطوقه الفلسفي كشخصية، لأن عبد الله لم يصبح بائعاً للخبز إلا بعد أن كان كاتباً ومتفلسفاً يقيم في باريس، واختياره لمهنة بيع الخبز جاء بدافع نكوصي نتيجة الرغبة في مقاطعة العالم نتيجة انتحار زوجته راشيل وفقدان ابنته راحيل. وعن رؤيته للجوائز، أجاب: هي مناسبة للتعريف بالإبداع والتحفيز على القراءة، ولو من باب الفضول، كما أنها اعتراف موضوعي بالكتاب والمبدعين، والبوكر لحظة عربية مشرقة تؤسس لطقس احتفائي راق بالمبدعين (كتاب الرواية)، أتمنى أن تستمر طقوسها وأن تكون كما هي مناسبة لبوح إنساني متوهج عبر الرواية ومحطة لإشاعة الجمال والإبداع ضد القبح والظلام. واعتقد أن روايته فازت لأنها أسلوب مختلف في الكتابة باعتباره يقوم على التصوير الشعري والتمثيلي واعتماد التجريد بإثارة الأسئلة الفلسفية حول قضايا الإنسان والعالم، انطلاقاً من قصة بسيطة تتوخى كشف أسباب كبوات الإنسان العربي وسقوطه. والمعزوز باحث وكاتب مغربي، حاصل على دكتوراه الأنثروبولوجيا السياسية/‏‏‏ السوربون، ودكتوراه في الفكر العربي الفلسفة العامة/‏‏‏ الرباط، وله العديد من الإصدارات الفكرية والمسرحية والسردية، باللغتين العربية والفرنسية، منها «علم الجمال في الفكر العربي القديم/‏‏‏ انشغالات سياسية»، وهو حائز جائزة المغرب للكتاب عام 2007 عن روايته «رفيف الفصول».

مشاركة :