كثيرة هي الحقوق التي يجب الالتزام بها في حياتنا اليومية، والكل يحرص كل الحرص على أخذ حقه غير منقوص، وفي الزمن الماضي القريب كانت الحياة تحفها البساطة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد كانت الحقوق والواجبات تكاد تكون معروفة ومحصورة في أشياء بسيطة ومعينة كالتي أمر بها الشرع الحكيم، كحقوق الوالدين، وحقوق الأبناء على آبائهم، واحترام حقوق الجار وما شابه ذلك، وكانت الحياة تسير بكل بساطة، وعند الاختلاف في أي من التعاملات الحياتية كالخلاف بين الزوجين مثلاً، أو في معاملات البيع والشراء، أو الاختلاف على الأملاك، فقد كان السبيل إلى حل تلك الإشكالات يتم عن طريق الترافع إلى القضاء، حيث يقوم القاضي بفض النزاع بين الخصوم، ويبين لكل ذي حق حقه، ويتم الصلح في الغالب، أو إجبار المتعدي للحدود على العودة إلى طريق الصواب وأداء ما عليه من حقوق إلى من ظلمه. وبعد أن تطورت الحياة وتبدلت الأحوال بعد أن توحدت هذه البلاد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه–، وتم إنشاء الوزارات التي وفرت كثيرا من فرص العمل للمواطنين، وانتشرت الشركات الخاصة التي تقدم خدماتها للجميع، وانتشر التعليم، وزادت المعاملات التجارية بعد أن تم افتتاح البنوك التجارية والمصارف، وظهرت معالم الرفاهية، وزادت معها تعقيدات الحياة، فقد ظهر عديد من المعاملات الجديدة التي تخفى على كثيرين من الناس، وفي البدايات كان الأغلب من الناس لا يعرف حقوقه، بينما يؤدي كل الحقوق والواجبات التي عليه، فعلى سبيل المثال كان الموظف يحظى بعديد من المميزات مثل الإجازة الاضطرارية والإجازة المرضية، وحقه في الترقيات، ولكنه قد يجهل الحقوق التي له، ويقاس إلى ذلك كثير من الأشياء المماثلة، كما أن المستهلك البسيط فيما مضى كان يتلقى السلعة من دون أن تكون له الحقوق التي كفلت له في عصرنا الحاضر، فعلى سبيل المثال لم يكن فيه إرجاع للبضاعة بعد خروجها من المحل، أو على الأقل استبدالها إن وجدت فيها عيوب تصنيعية، ولم يكن هناك ضمان من المحل، بحيث إذا تعطلت يبحث المستهلك بنفسه عن محل لإصلاحها على حسابه، وإن لم يستطع المحل فإن مصير سلعته التخلص منها، والاتجاه إلى شراء سلعة من جديد، واليوم بات الأكثرية على دراية بما له من حقوق، فبات يطالب بها، ويأخذ ما يستحقه بعد أن انتشر الوعي بفضل التثقيف من قبل وسائل الإعلام الحديثة التي زادت من معرفة الناس حقوقهم المشروعة، فازداد التمسك والمطالبة بها. جهة قانونية وقبل أن يطالب أي شخص بما له من حقوق، فإنه لا بد في البداية أن يؤدي ما عليه من حقوق وواجبات في أي عمل يريد إنجازه، ومن ثم يطالب بما له، فالموظف مثلاً يكون على دراية بالوقت المحدد الذي يبدأ فيه عمله وينتهي بالساعة والدقيقة، ويعرف وقت إجازته الأسبوعية والسنوية الاعتيادية، وما يلحق بها من إجازات مرضية أو اضطرارية وغيرها، كما يتعرف على المسؤوليات والمهمات التي تجب عليه تأديتها والالتزام بها خلال عمله، ومن ثم يتعرف على حقوقه في الترقية والحوافز والبدلات والدورات، ويكون على دراية تامة بكل حقوقه ليحظى بها ويطالب جهته عند الإخلال بها، وينطبق على ذلك كل المعاملات التي يكون فيها طرفان في مصلحة واحدة كالبيع والشراء والتأجير وغيرها، وعند الاختلاف في شيء من ذلك يتم التخاصم لدى الجهة القانونية، وإذا لم يجد الحل طريقاً، فإن الموضوع يصعد إلى ديوان المظالم للفصل في ذلك، وبذلك فإن الحقوق باتت لكلا الطرفين محفوظة من الضياع. كتابة الحقوق كثيرة هي الحقوق التي تذهب على البعض، لذلك يجب على كل من له الحق المطالبة به، فقد قيل قديماً: «ما ضاع حق وراءه مطالب»، فبعد أن تغيرت معاملات الناس لما طرأ من مستجدات عصرية متلاحقة، فقد بات من الضروري كتابة كل الحقوق وتوثيقها لضمان أدائها. فعلى سبيل المثال، كانت الإيجارات قبل انتشار المكاتب العقارية تتم بطريقة التراضي بين الطرفين مقابل مبلغ معين يدفع في بداية كل عام أو على قسطين في كل ستة أشهر ومن دون كتابة؛ لوجود الثقة بجيل الأمس القريب، ومن ثم بات الناس يكتبون عقد إيجار بينهم لضمان الحقوق، وبعد أن تم افتتاح المكاتب العقارية وانتشارها، صار الكل يحرص على كتابة عقود الإيجار في تلك المكاتب وتوثيقها لضمان حق الملاك، بينما واجه كثيرون مشكلة عدم التزام المستأجر بدفع ما عليه من إيجارات، وظلت مشكلة مماطلة المستأجر في تسديد ما عليه من إيجارات ظاهرة مقلقة للملاك الذين يشقون في شكاواهم لإخراج المستأجر الذي لا يدفع الإيجار، ومن ثم المطالبة بما عليه من إيجارات إذا خرج من العقار، لكن في زماننا هذا بات الأمر ميسراً؛ حيث تولت وزارة العدل حل المشكلة بأن يصدر القاضي حكماً إلزامياً للمستأجر بأن يدفع ما عليه من إيجار، وأن يخلي العقار في حالة تأخره، حيث يتم التعاون مع الشرطة لتنفيذ الأحكام. ومن الأمثلة الأخرى قضايا النفقة على الزوجة والأطفال؛ حيث يجبر الزوج بالإنفاق على زوجته وأطفاله، وفي حالة الطلاق والانفصال بين الزوجين، فإن الزوج يلزم بأن ينفق على أبنائه الذين يعيشون مع والدتهم المطلقة، ونظراً لكثرة القضايا وتنوعها في المحاكم بعد أن توسعت الأعمال التجارية وكثرت الحقوق، فقد تم إنشاء محاكم جديدة مستقلة لعدد من الأغراض، فنظراً لتنوع الدعاوى التي تختص بنظرها محاكم الدرجة الأولى، أعادت المادة التاسعة من نظام القضاء ترتيبها وتنظيمها، وتقسيمها إلى خمسة أنواع هي: المحاكم العامة، المحاكم الجـزائية، محاكم الأحوال الشخصية، المحاكم التجارية، المحاكم العمـالية، ونظراً لتعدد القضايا وحاجة كثيرين لا يعرفون كيفية المطالبة بالحقوق، فقد تمت الاستعانة بمكاتب المحاماة التي انتشرت وبكثرة، حيث باتت تطالب بحقوق من يلجأ إليها بعد توكيله بمقابل مادي، وتقوم برد الحق إليه. إغفال التوعية ويجهل كثيرون عدداً من مفاهيم الحقوق المتصلة بالحياة العامة، ولا سيما أن بعض المواقف اليومية تقتضي وعياً أكبر بتلك الحقوق لمواجهة أي مشكلات تتصل بها، فضلاً عن قلّة معرفة شريحة كبيرة من المجتمع بالمواثيق والحقوق الدولية التي اشتركت فيها المملكة بتوقيع اتفاقيات في مجالات متعددة، يأتي أبرزها فيما يتعلق بحقوق العمل والعمال والعنصرية، وحقوق المرأة والطفل، إلى جانب اتفاقيات التجارة العالمية، ولأن من واجب المواطن معرفة تلك الحقوق فإن ما ينتج عن الجهل بها يتسبب في إشاعة حالة من عدم المبالاة والإهمال، كما لو أن ذلك ليس من مهماته، وبطبيعة الحال فإن كثيراً من المؤسسات أغفلت كثيراً من مسؤولياتها تجاه الدور التوعوي بهذه الحقوق للمواطن، وعلى الرغم من أن غالبية الحقوق ترتبط بحياة المواطنين الخاصة والعامة، إلاّ أن كثيراً من مفاهيمها تكاد تكون غائبة عن أذهانهم، إمّا بسبب عدم الاكتراث أصلاً بتلك الحقوق، وإما لعدم وجود ثقافة قانونية تقتضي معرفة تلك الحقوق بمختلف جوانبها، ما تسبب فيما يمكن وصفه «أميّة قانونية». حماية المستهلك ومن أكثر الحقوق التي يحتاج إليها الناس اليوم حقوقهم كمستهلكين في شراء السلع بأنواعها المختلفة من طعام أو شراب أو ملابس وكماليات وأجهزة وغيرها، وقد كان الناس في بدايات استيراد كل ما يلزم من تموين وأجهزة وكماليات لا يعرفون حقوقهم كمستهلكين، فقد كانوا يقومون بالشراء فقط، ولم يكن هناك ما يسمى «ضمان وحق إرجاع أو صيانة»، ومع تطور الوقت وانتشار الوعي والثقافة تم فرض عديد من الإجراءات لحفظ حقوق المستهلكين، حيث صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء جمعية حماية المستهلك، التي تُعد إحدى مؤسسات المجتمع المدني، وتقدم خدماتها مجاناً للجمهور في كل مناطق المملكة، وتستهدف المستهلكين بتوفير الحماية اللازمة لهم عن طريق توعية المستهلك بحقوقه، وتلقي شكواه، والتحقق منها ومتابعتها لدى الجهات المختصة، وكذلك تبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة، وحمايته من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات والمبالغة في رفع أسعارهما، إضافةً إلى نشر الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك، وتبصيره بسبل ترشيد الاستهلاك، كما أطلقت وزارة التجارة والصناعة برنامج «اعرف حقّك» الذي يتضمن عدّة رسائل توعوية للمستهلك مصحوبة بجولات رقابية مكثفة، تهدف إلى تعزيز المبدأ لدى المستهلك والتاجر على حدٍ سواء، وتم إطلاق عدة حملات معنية بالمستهلك أثبتت فعاليتها في تنظيم السوق، وحفظ حقوق المستهلك، وهي «لا تسأل بكم» للالتزام بوضع بطاقة السعر على جميع المنتجات المعروضة بشكلٍ واضحٍ ومقروءٍ للمستهلك، وحملة «خذ الباقي»، وتعرف المستهلك بحقه في أخذ المتبقي لثمن السلعة من أجزاء الريال التي تمثل العملات المعدنية عند الشراء، ومنع عبارة «البضاعة المبيعة لا ترد ولا تستبدل» لإلزام المحال برد البضاعة عند عدم الرغبة فيها أو وجود عيوب بها. تفعيل التواصل وفي إطار سعي عدد من الدوائر الحكومية والشركات وغيرهما من محال تقديم الخدمات إلى الارتقاء بالعمل والتميز في تقديم الخدمة، فقد سعت كثير من الجهات قديماً إلى تفعيل التواصل مع المراجعين والمستفيدين، حيث نشرت في أروقة مراجعيها وموظفيها صندوقاً لتلقي الاقتراحات والشكاوى لحل كل المشكلات التي تواجه العاملين والمراجعين والمترددين، وكأنها تقول للجميع: «صوتكم مسموع»، ويتولى كثير من رؤساء تلك الدوائر والشركات عملية فتح الصناديق بأنفسهم فقط، ويباشرون حل كل المشكلات ومعالجة جميع الملاحظات. وفي عصر التقنية استبدلت بتلك الصناديق لوحات كتب عليها: «لتلقي الشكاوى والاقتراحات الاتصال على الرقم»، ويسجل رقم المسؤول ليتواصل مع جميع من لديه مشكلة أو اقتراح، وبعد ذلك بات كثير من المصالح الحكومية والشركات يضع بريداً إلكترونياً لتلقي تلك الشكاوى والمقترحات، وأخيراً فقد عمدت كثير من الوزارات والمؤسسات إلى نشر رقم للتواصل عبر جميع وسائل الإعلام لتلقي الشكاوى والمقترحات، ومن أشهر تلك الوزارات التي تفعل هذه الخدمة وباتت رائدة فيها هي وزارة التعليم التي خصصت بوابة للتواصل مع جميع منتسبيها من المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات وأولياء أمورهم لتلقي البلاغات والشكاوى والملاحظات على مدار الساعة، وتقوم على الفور بحل ما يرد إليها من مشكلات، وتعالج أوجه القصور، وتأخذ بالمقترحات، وهي خدمة إلكترونية تم إطلاقها عام 1432هـ، وتعد وسيلة إلكترونية حرصاً من المسؤولين في الوزارة على فتح باب التواصل مع المواطنين في كل ما يخص التعليم، والاطلاع على مقترحات المستفيدين وملاحظاتهم واستفسارهم وشكاواهم، ومتابعتها مع الوزير وجهات الاختصاص بالوزارة والإدارات المعنية وفق نظام إلكتروني يسهل عملية التواصل وييسر متابعتها وحلها وإتمام الرد على المستفيد، فإذا لم يكن من اختصاص الإدارة أو يتجاوز صلاحيتها يتم تصعيد التذكرة إلى الجهة المعنية في الوزارة لخدمة المستفيد. المحاكم حفظت حقوق الناس مكاتب العقار حفظت للملاّك أموالهم من المستأجرين جمعية حماية المستهلك أسهمت في توعيته بحقوقه صندوق الشكاوى والمقترحات كان حلقة وصل مع المسؤول مكاتب المحاماة دعمت الأفراد في قضاياهم
مشاركة :