من تماثل الجهل إلى تكامل المعرفة

  • 12/26/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أن يكون المرء جاهلا لا يعني أنه جاهل بكل شيء. قد يكون يمتلك مخزونا معرفيا ضخما ولكن في تخصص أو مجال معين، أو قد يمتلك مجموعة من المعلومات وصلت إليه بطريقة أو بأخرى ولكنها لم تدخل بناءه الفكري المعرفي لأنه بكل بساطة لم يحلل أو يتعمق في ماهية هذه المعلومات من خلال استعراض وجهات النظر المختلفة، بل أخذها كما هي وجعلها المعيار الذي يحكم من خلاله على آراء وسلوكيات الغير، وهنالك الببغاء الذي يردد ما وصل إليه، ليس عن معرفة أو تعمق بماهية المفردات أو المفاهيم، ولكن حسب ظنه أنها حجج وأدلة يستخدمها مع أو ضد، يرفض أن يقرأ ويرفض أن يفهم، جل همه أن يواجه من صُنف له على أنه الخصم ولسان حاله يقول: "لن أفارقك ليس محبة بك، بل فقط كي أضايقك"! ما نعرفه عن الجهل بمفهومه الواسع يمكن التغلب عليه بالعلم، ولكن يصعب التغلب على الغطرسة، تلك السمة التي تغلف سلوكيات من يعتقد بأنه المختص الأعلم والأفضل، سواء كان ذلك في مجال معرفي معين أو مهاري في تخصص مهني معين، ولكن حين يجتمع الجهل، وهنا أقصد الجهل بحدود المعرفة الذاتية للفرد، مع الغطرسة تلك الطامة الكبرى! حقا كيف تتعامل مع هكذا شخصيات؟ لأنك تجد أن صفة العناد متمكنة منهم لدرجة أنهم يرفضون فحص الأدلة أو البحث والتعمق بالموضوع أو القضية قيد النقاش، يصرون على الإنكار ويتشبثون بمواقفهم لأنه بالنسبة إليهم أكثر أمانا من مواجهة الواقع، وهذا الأمر بحد ذاته يشكل التحدي الأكبر أمام من يحاول عرض وجهات نظر مختلفة أو جديدة أو إبداعية لقضايا معاصرة. من خلال القراءة والبحث وجدت أن الغطرسة، رغم صعوبة ذلك، يمكن أن تحل.. ففي مجال العمل في المؤسسات مثلا، أن تتم تنمية المهارات والمعلومات من خلال ورشات العمل والتدريب، بعدها تبدأ عملية التحول فبطريقة غير مباشرة تم طرح زوايا النقص لديه دون أن تمس مشاعره، لأنه من خلال عرض قضايا للحل سيجد أن هنالك من لديه معرفة عن الموضوع لم يكن يدركها من قبل أو مهارة لم يكن يمتلكها، أسهمت مع ما قدمه هو في التوصل إلى أفكار إبداعية جديدة. وهنا يأخذنا الحديث إلى مفهوم توصل إليه "فيشر وآخرون"؛ ألا وهو "تناسبية الجهل أو تماثل الجهل"، بمعنى في حالات المواجهة لأي تحد من أفراد أو مجموعة أو أكثر، هناك أمر يجب أن ننتبه إليه؛ الأمر لا يخص بالضرورة ما أعرفه عنك أو تعرفه عني، أو ما تعرفه أنت عن الموضوع وما أعرفه أنا، بل ما أجهله عنك وما تجهله عني، أو ما تجهله أنت وأعرفه أنا وما أجهله أنا وتعرفه أنت، بمعنى آخر الجهل المتبادل. حين نتعامل مع أسئلة لا نعرف الأجوبة عنها، ونعمل كفريق متمكن على طرح الأسئلة الصحيحة التي توصلنا إلى معرفة الآخر أو القضية قيد المعالجة، أي استغلال "الجهل المتبادل"، عندها تبدأ عمليات التعلم من بعضنا البعض وعن بعضنا البعض، ومن خلال توحيد المعارف الجديدة التي أخرجت الآراء والخبرات المختلفة نستطيع أن نتوصل إلى التفاهم والتفّهم، وإن فهمنا نُقدّر ونحترم وإن لم نتقبل، ولكن على الأقل توصلنا إلى المصدر ومن هنا تكتمل حلقة المعرفة بعد ما كان بعضها فارغا، وبعضها مهترئا، وبعضها تحلل من الصدأ، مهددا بالانفراط مع أول تصادم أو تجاذب! لكن قبل ذلك كله يجب خلق الحاجة أو الدافع أو الحافز لاجتماع الأفراد على اختلافهم لتكوين الفريق، فكيف يمكن أن يتم ذلك؟ عند إيضاح وتوصيل رسالة على أن ما ستتم مناقشته يمس حياتهم كأشخاص وكمجموعات، كأن تكون المحاور دينية أو اقتصادية أو تعليمية أو سياسية أو اجتماعية أو مهنية، وفي كل هذه المحاور احرص على التنوع بحيث أن لدى كل مشاركا معلومات فريدة أو مختلفة عن بقية الفريق (طالب، معلم، إداري، مختص، مهني، عالم، مستشار، رياضي، مستهلك... إلخ)، ليس بالضرورة أن يشارك الجميع ولكن من يريد أن يسهم يجب أن تتاح له الفرصة، المهم أن تكون البيئة تسمح وتسهم في مساعدة المشاركين في التعبير عن أنفسهم بكل أريحية؛ وأن تطرح الآراء دون خوف أو محاصرة من البقية، كما يجب أن يكون صوت كل فرد من الفريق مسموعا وهذا يعني أنهم يشعرون بأنهم على مستوى واحد من الأهمية، والعمل على أن توفر الآليات لكي تُجمع هذه الآراء أو المعلومات لتخرج على صيغة قرارات أو حلول أو مفاهيم أو استراتيجيات جديدة، وهنا نحول أفراد الفريق من مستهلكين للمعرفة إلى مصادر نشطة في خلق المعرفة، ولا نتعذر بالتكاليف أو المسافات أو الوقت، فالتكنولوجيا والأنترنت أوجدا الحلول لكل ذلك. لنعترف بمحدودية معلوماتنا ومهارتنا ونستفيد مما لدى الآخر من معلومات لنتطور سويا ونبني، ولنتعرف على ما لا نعرفه عن بعضنا البعض، كي نفهم ونستطيع أن نتحاور دون تعصب أو تشنج أو إلقاء التهم، فنحن على الرغم من تنوعنا نشكل فريقا كبيرا اسمه الوطن.

مشاركة :