عقب نجاحه في السيطرة على مناطق سوفيتية واسعة بكل من أوكرانيا وروسيا البيضاء، اتجه الجيش الألماني منتصف سنة 1942 لشن هجوم جنوبي روسي ضد هدف جديد ذي مكانة هامة لدى القائد السوفيتي جوزيف ستالين (Joseph Stalin). فخلال شتاء 1941 – 1942، فشل الألمان في تحقيق الهدف السياسي للحملة العسكرية على الاتحاد السوفيتي والمعروفة بعملية بربروسا، حيث نجح الجيش الأحمر في صد الهجوم الألماني على العاصمة موسكو. وبينما عزز السوفييت مواقعهم عند العاصمة تحسبا لهجوم ألماني ثان عليها وجّه أدولف هتلر أطماعه نحو مدينة ستالينغراد (Stalingrad) والتي اعتبرت منطقة صناعية سوفيتية بارزة ونقطة وصل تربط بين شرقي وغربي الاتحاد السوفيتي بسبب مرور نهو الفولغا منها. فضلا عن ذلك اتجه القائد النازي لمحو هذه المدينة التي تحمل اسم ستالين من الخارطة في سعي منه لتوجيه ضربة قاسية لمعنويات الجيش الأحمر السوفيتي. بدأ الألمان هجومهم على ستالينغراد خلال صيف سنة 1942 ومع حلول منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر من نفس السنة تمكنت القوات الألمانية من السيطرة على مناطق واسعة من المدينة مجبرة بذلك الجيش الأحمر على التراجع نحو نهر الفولغا. وفي غضون ذلك حافظ السوفييت على بعض من أجزاء ستالينغراد بفضل تضحيات الجيش الثاني والستين السوفيتي والذي دافع بشراسة عن مواقعه أمام الجيش السادس الألماني بقيادة الجنرال فريدريش باولوس (Friedrich Paulus). خلال الفترة التالية، ارتفعت الخسائر البشرية الألمانية بشكل واضح بسبب تراجع كمية الإمدادات والشتاء الروسي البارد وهجمات المقاومين السوفييت المتمركزين ببقايا المباني المدمرة. فضلا عن ذلك، تعكرت وضعية الألمان بستالينغراد مع بداية عملية أورانوس (Operation Uranus) السوفيتية يوم التاسع عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1942 حيث باشر الجيش الأحمر بشن عملية مضادة بدأت بقصف مدفعي مكثف على المواقع الألمانية قبل أن يتجه لمهاجمة الحلقة الأضعف بالجيش الألماني والتي كانت عبارة على القوات الرومانية والمجرية المفتقرة للخبرة العسكرية ليتمكن السوفييت خلال الفترة الأولى من الهجوم من أسر ما يزيد عن 65 ألف جندي وإجبار الفرق العسكرية الألمانية المتواجدة خارج ستالينغراد على التراجع. وعقب والجوع خلال معركة ستالينغرادذلك، قاد الجيش السوفيتي عملية جريئة أسفرت عن تطويق الجيش السادس الألماني بستالينغراد قبل أن يبدأ بهجوم متزامن من الجانبين الشمالي والجنوبي للمدينة ضمن حركة شبيهة بحركة الكمّاشة. مع بداية الحصار السوفيتي، كان الجيش السادس الألماني بقيادة الجنرال باولوس قادرا على كسر الحصار والانسحاب من المدينة ولكن أدولف هتلر أصدر أوامر صارمة لجنراله مطالبا إياه بالثبات داخل أسوار ستالينغراد وعدم الانسحاب واعدا إياه بإرسال جيش آخر لكسر الحصار وتحريرهم وبالتزامن مع ذلك أكد قائد سلاح الجو الألماني هرمان غورينغ (Hermann Göring) أن طائراته ستزود الجيش السادس المحاصر بما يزيد عن 500 طن من الغذاء والمواد العسكرية يوميا. وفي الأثناء، لم يف أدولف هتلر بوعده. فمع وصول الدعم الألماني خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 1942، كان السوفييت قد عززوا مواقعهم الدفاعية حول ستالينغراد ليفشل الألمان في كسر الحصار وليظل الجيش السادس بقيادة الجنرال باولوس محاصرا. خلال فترة أعياد الميلاد سنة 1942، تراجعت الحصة الغذائية اليومية لأفراد الجيش السادس الألماني المحاصرين لأقل من 50 غراما من الخبز و12 غراما من الدهنيات حيث عجزت طائرات سلاح الجو الألماني عن توفير الدعم اللازم بسبب الدفاعات السوفيتية. ومع حلول يوم الرابع والعشرين من شهر يناير سنة 1943 تعكّرت وضعية الجنرال باولوس بشكل مأسوي عقب سيطرة السوفييت على آخر مهبط طائرات ألماني بستالينغراد. بالتزامن مع ذلك، أمر أدولف هتلر الجيش السادس بالقتال لآخر جندي. وفي حدود يوم الثلاثين من شهر يناير سنة 1943 أقدم القائد النازي على ترقية الجنرال فريدريش باولوس ليجعل منه مارشالا بالجيش ومن خلال هذه الخطوة سعى هتلر لدفع باولوس للانتحار وتجنب خيار الاستسلام. لكن بعد تعيينه مارشالا بيوم واحد، فضّل فريدريش باولوس الاستسلام رفقة 90 ألفا من جنوده للسوفييت وإنهاء معاناة الجيش السادس الألماني والذي خسر أكثر من 150 ألفا من أفراده بستالينغراد. خلال عملية الاستسلام، وقف القادة السوفييت مذهولين أمام المارشال فريدريش باولوس والذي يصنف كأبرز المخططين لعملية غزو الاتحاد السوفيتي وللتأكد من هويته طلب منه السوفييت تقديم وثائقه العسكرية. وبينما أرسل جنود الجيش السادس الألماني الأسرى نحو مراكز الاعتقال السوفيتية بسيبيريا، تخابر المارشال فريدريش باولوس مع السوفييت وانضم للجنة الوطنية لألمانيا الحرة داعيا بقية قادة الجيش الألماني للتمرد ضد هتلر ورفض أوامره. وخلال محاكمات نورمبرغ والتي مثل خلالها البعض من أبرز القادة النازيين أمام القضاء شهد المارشال باولوس ضد عدد من قادته السابقين بالجيش الألماني كفيلهلم كايتل (Wilhelm Keitel) وألفرد يودل (Alfred Jodl). لاحقا، فضّل فريدريش باولوس العيش بألمانيا الشرقية قبل أن يفارق الحياة يوم الواحد من شهر شباط/فبراير سنة 1957 بمدينة درسدن (Dresden) عن عمر يناهز 66 سنة.
مشاركة :