يرتبط تقدم المنظومة التعليمية في أي بلد بالتطور الحضاري للجنس البشري، لينعكس هذا التطور إيجاباً على النمو الاجتماعي والاقتصادي أيضاً، لكن السؤال المطروح يتعلق بقدرة التعليم على المساهمة في الإصلاح ومكافحة الفساد.مراقبون وأكاديميون كويتيون رأوا أن لا طائل من تخصيص مبالغ ضخمة لميزانية التعليم في الكويت، لأن الفساد السياسي هو السبب الأول لتراجع الكويت على مؤشر جودة التعليم، وتدهور منظومة التعليم والتدريب، وبالتالي عدم تكافؤ المخرجات العلمية مع متطلبات سوق العمل.وأكد المراقبون في تصريحات متفرقة لـ«الراي» أن على الحكومة التي تضع المنظومة التعليمية، تحديد الأهداف المطلوبة منها، لأن الفساد السياسي لن يُنتج إلا تعليماً فاسداً.ووقوفا على التصنيف الأخير لجامعة الكويت، والتي شهدت به تراجعاً في 3 معايير، أثر على سمعتها محلياً ودولياً، تباينت آراء المراقبين والأكاديميين، فمنهم من عزاه لأسباب سياسية، ومنهم من رأى أن الأمر يعود لقدرة الجامعة الاستيعابية، وانخفاض عدد الأجانب فيها من أساتذة وطلبة. وفي هذا السياق، رأى أستاذ الإدارة العامة في جامعة الكويت الدكتور بدر الديحاني أن «التعليم رافعة للتنمية، وهو الذي يحقق الأهداف عندما نرسم خطوط التنمية، لذلك فإن التعليم غير مفصول عن الوضع العام، فالتعليم ما هو إلا سياسة حكومية»، مبيناً أنه «إذا كانت المنظومة السياسية غير قادرة على وضع القرارات بشكل جيد سينتج لدينا تعليم سيئ بكل جوانبه، العام والخاص والجامعي».وأكد أن «البعض ينظر إلى التعليم وكأنه كيان منفصل عن بقية الدولة وعالق في الهواء، وفي حقيقة الأمر هو ليس منفصلاً عن التطور العام والوضع السياسي الاقتصادي في الدولة، وكأن التعليم يهبط علينا من السماء وعليه تطوير نفسه»، مشددا على أنه «في حين تضع الحكومة والمنظومة السياسية في البلاد المنظومة التعليمية يجب عليها أن تحدد أهداف التعليم وما الغاية المطلوبة منه، وهنا تبدأ عملية التنفيذ».وأضاف الديحاني «في الكويت الآن لدينا رؤية سمو الأمير 2035 لتحويل الكويت لمركز مالي وتجاري، ولكن كيف تترجم هذه الرؤية لواقع عملي، والسؤال الأهم ما دور التعليم في هذا الجانب؟»، مؤكداً أن «الأفراد يرون العملية بطريقة معكوسة وينتظرون من التعليم أن يطور المنظومة السياسية والوضع العام في البلاد، بينما العكس هو الصحيح، ويجب تطوير الإطار العام الذي يقوم بوضع وتحديد المنظومة التعليمية أولاً».واعتبر أن «التعليم ليس في المبالغ التي تصرف عليه، بقدر ما هو في المناهج التي تدرس في جميع المراحل التعليمية في البلاد، وعليه أن يكون جزءاً أساسياً من عملية التنمية، وعلى من يضع المنظومة التعليمية في البلاد أن يقرر إذا ما كان يتجه لمجتمع صناعي، أم مجتمع تجاري مالي، أم مجتمع تقني وفني، وهذا الإطار النظري العام في الكويت مفقود»، موضحاً أن «الميزانية مهمة لكنها ليست المحدد الأساسي، فميزانية الكويت اليوم عالية للتعليم ولكن الواقع سيئ، لأننا نعاني في الكويت من فساد سياسي وفساد مؤسسي، والفساد ينتج فساداً». ورأى أن «إصلاح التعليم يبدأ أولاً بالإصلاح السياسي الديموقراطي، وعندئذ سيكون التعليم متطوراً لأن من يسن المنظومة التعليمية سيكون متطوراً، وسيكون هناك مساءلة ومحاسبة ورؤية واضحة لفهم ماذا نريد من التعليم».من جهته، رأى الدكتور في جامعة الكويت فوزي الخواري أن «التصنيف العالمي لأي جامعة يعتمد على معايير عدة تضعها تلك المؤسسات، ومن ضمن معايير التصنيف، المشاركات في المؤتمرات الدولية والأبحاث التي يتم إنجازها من كل عضو هيئة تدريس، ومدى أهمية الأبحاث في التطورات العلمية»، مشدداً على أن «ما أدى إلى تراجع جامعة الكويت هو تقليص ميزانية المهمات العلمية والأبحاث الأمر الذي انعكس سلباً على مساهمات أعضاء هيئة التدريس، فقلّت مشاركاتهم في المؤتمرات العلمية والأبحاث وكل ذلك بسبب القرارات السياسية التي اتخذت لتقليص ميزانية الجامعة».واضاف الخواري «لقد وصل الأمر إلى حد تقنين صرف الأوراق والأحبار على أعضاء هيئة التدريس مما أدى إلى صعوبات في إنجاز أبحاثهم».من ناحيته، أكد أمين سر الجمعية الكويتية لجودة التعليم الدكتور هاشم الرفاعي أن «انخفاض مستوى جامعة الكويت ليس بالأمر الغريب، ففي ظل أزمة قبول وارتفاع عدد الطلبة بالجامعة فوق طاقتها الاستيعابية بـ12 ألف طالب وطالبة، أثر سلباً على العملية التعليمية في الجامعة، فلا السعة المكانية قادرة على استيعاب هذه الزيادة ولا الكادر البشري وعلى رأسهم الهيئة التدريسية قادرة على تلبية متطلبات هذه الزيادة».وأضاف «أصبح ليس بالغريب أن يبقى الطالب لمدة 5 إلى 6 سنوات في الجامعة حتى وإن كان بمستوى دراسي جيد، فأزمة القبول وارتفاع أعداد الطلبة تشكل حجر عثرة أمام تخرجهم، وهي معايير مهمة كمعيارَي نسبة الأساتذة للطلبة، والبحث العلمي»، مردفاً «كما يعتمد التصنيف العالمي في تقييمه على السمعة التوظيفية لمخرجات الجامعات، ففي حالة جامعة الكويت، بلغت نسبة توظيف مخرجات الجامعة وفق تقارير، 73 في المئة، بينما احتياج سوق العمل لهذه المخرجات كان 47 في المئة فقط، أما بالنسبة لرضا المؤسسات التوظيفية عن خريج جامعة الكويت فقد حققت نتائج إيجابية». قضايا ذات صلة الطلبة الأجانببين أمين سر الجمعية الكويتية لجودة التعليم الدكتور هاشم الرفاعي، أن التصنيف يجد في نسب الطلبة الأجانب في الجامعات معيارا لتقييمها، إلا أن لجامعة الكويت ضوابط محددة لقبول الطلبة الأجانب كونها الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد، بالتالي فإن فئات محددة من الأجانب يستطيعون الالتحاق بها كأبناء الديبلوماسيين، والمنح الثقافية والمتفوقين، مما يجعل نسبة الطلبة الأجانب منخفضة مقارنة بجامعات أخرى في المنطقة.الأساتذة الأجانب ... قليلونأشار الرفاعي إلى أن عدد الأساتذة الأجانب يعتبر منخفضا مقارنة بالجامعات الأخرى، وهو من ضمن معايير التقييم، فبالرغم من أن الجامعة تنتدب أساتذة من جامعات عربية وعالمية، ولكن عددهم يبدو ضئيلا مقارنة بأعداد الأساتذة الكويتيين، خصوصا أن الجامعة تملك ضوابط محكمة في عمليات التعيين، حيث إن الغالبية العظمى لتعيينات الجامعة للأساتذة تتم عبر الابتعاث، فنادرا ما تعيّن الجامعة أستاذاً من خارج الطلبة الذين تبتعثهم.
مشاركة :