الفيلم الثاني للمخرج زانغ ييمو عن «الثورة الثقافية»: في متحف الألم الصيني!

  • 2/13/2015
  • 00:00
  • 39
  • 0
  • 0
news-picture

مرة أخرى يعود المُخرج الصيني المعرُوف «زانغ ييمو» في فيلمه الأخير «العودة إلى البيت»، والذي عُرض في دورة مهرجان كان السينمائي الأخيرة ليصل أخيراً إلى الصالات الأوروبية، إلى تاريخ بلده الحديث، وبالتحديد إلى حقبة «الثورة الثقافية»، التي أطبقت ككابوس على البلاد الشيوعية طوال عقد الستينات من القرن الماضي وحتى مطلع السبعينات منه. فالمخرج كان قد مرَّ قبل خمسة أعوام على محطة التاريخ المُوجعة تلك، في فيلمه «تحت شجرة الزعرور». وإذا كانت الثورة الشيوعية على المثقفين والمتعلمين تلك، قد شكلت ما يُشبه الخلفية النفسيّة، لقصة الحب العذبة والمأسوية في الفيلم السابق، فهي في «العودة إلى البيت»، أكثر حضوراً وجَسامة، وتبدو مفاعيلها متواصلة ومُدمرة، حتى بعد سنوات عدة من نهاية الاستبداد الذي مارسته السلطات وقتها، ليبدو الزمن في الفيلم، وكأنه توقف لفداحة ما وقع. والضحايا غير قادرين على مُواصلة حياتهم أو تلمس طريقهم نحو المستقبل. أزمة الذكر الغائب تُشبه البطلة وابنتها في فيلم «العودة إلى البيت»، المرأة وابنتها الشابة في الفيلم السابق. هما أيضاً في أزمة بسبب غياب الزوج - الأب، الذي زُج في معسكرات العمل الشاقة البعيدة. يبدأ الفيلم الجديد بمشاهد مشحونة بتوتر وإثارة كبيرتين، فالأب هرب للتو من معسكر العمل، والسلطات تطارده إلى بيته. تكشف تلك المشاهد في ما تكشف عن أزمة جيل الأبناء، فهم في صراع بين ولائهم العائلي، وتأثرهم وإلى حدود الاستلاب بالقيم الشيوعية الثورية الحماسية، التي صورت الآباء بأنهم حفنة خطرة وأنانية من البرجوازيين. والحال إن بطلة فيلم «العودة إلى البيت» الشابة، تواجهها الظروف ذاتها التي واجهت بطلة الفيلم السابق. إذ كان يتوجب على الأخيرة التخلي عن حبيبها، حتى تصل إلى وظيفة المُعلمة، والتي أصبحت شاقة بسبب سيرة الأب السياسية. في حين تتعرض الابنة الشابة في «العودة إلى البيت» إلى ابتزاز السلطات، فمُستقبلها كراقصة سيكون مشروطاً بالتعاون، وعليها أن تقرر بين «الأب» وبين حياتها الخاصة. بعد البداية القانطة تلك، يقفز الفيلم إلى زمن ما في المستقبل (ربما في منتصف السبعينات من القرن الماضي). فالأب، الأستاذ الجامعي المُثقف، والذي أطلق سراحه للتو، يعود إلى المدينة الصغيرة التي تعيش فيها زوجته وابنته. لن تتعرف البطلة إلى زوجها، فهي تعرضت قبل سنوات إلى أزمات نفسية عدة، عبثت بذاكرتها. صحيح أنها ما زالت تنتظر الزوج، لكنها لن تعرفه عندما يقف أمامها. ما يتبع، هو محاولات الزوج في مساعدة زوجته لاجتياز أزمتها. عندها يتحول الفيلم، وفي جزء كبير منه، إلى فيلم عائلي خاص، عن أسرة صغيرة تحاول أن تجد طريقها بعد المأساة التي أصابتها. كما ستغلب العاطفية الشديدة وحميمية خاصة على كثير من وقت الفيلم. فالزوج سيجد طريقاً ليكون قريباً من زوجته، إذ سيقنعها بأنه ساعي بريد، وسيقرأ لها الرسائل التي كتبها لها طوال سنوات حبسه، كما سيرافقها في مشاهد عظيمة الحزن، إلى محطة القطار الصغيرة في البلد، بانتظار الزوج الغائب. في مُجملها، لا يمكن تصنيف معالجة المُخرج للأحداث التاريخية في فيلمه بالإشكاليّة أو المُحرضة. ليس لأنه عانى من سطوة النص الأدبي الذي يستند إليه الفيلم («العودة إلى البيت» والفيلم الآخر مأخوذان عن عملين أدبيين معروفين)، بل إن المعالجة بدت جزءاً من رؤية خاصة للمخرج في مقاربة ماضي بلده (وكحال عمله الآخر أيضاً). فهو يتجه شكلياً مثلاً، عبر الألوان الشاحبة للفيلم والديكور الداخلي الذي يشبه بناء المسارح، إلى أسلبة واضحة مقصودة لذلك «الماضي»، حتى يكاد هذا الأخير أن يفقد علاقته الديالكتيكية مع الحاضر، ليقترب الفيلم من أن يكون عملاً فنيّاً خاصاً في «متحف» افتراضي للألم الصيني. كما بدت الصين في الفيلم، بعيدة كثيراً عن «الصين» المعاصرة. هناك مشهد وحيد، يحاول أن ينطلق من الماضي لمحاسبة الحاضر، عندما يتجه الأب البطل، إلى بيت رجل بيت الأمن الذي وشى به، ليجد هذا الأخير، يعيش بؤساً، لا يفرق كثيراً، عن الذي يعيش فيه ضحاياه. فوق مستوى الأسلبة وحده الأداء المُذهل للممثلة غونغ لي، التي لعبت دور الأُمّ، هو الذي يعلو فوق الأسلبة ويربط بين الفترات التاريخية ويمنح الفيلم النفس الإنساني المُلحّ. يتدرج الأداء الرائع للمُمثلة، من التصميم والعزيمة في المشاهد الافتتاحية للفيلم، ويقينها الذي لم يتأثر بنبل زوجها ولوعتها من محنته، إلى شرودها الغامض، في التيه الذي انسحبت إليه روحها، بعد أن فقدت ذاكرتها، ليكون حبها لزوجها، العاطفة الوحيدة التي تعيدها إلى ذاتها الأصلية. ويصل أداء الممثلة إلى ذرواته في مشاهد انتظارها في المحطة لزوج لن يصل أبداً، والتي ستكرر عدة مرات في زمن الفيلم، حاملة كل مرة ألماً عظيماً، وترميزاً قاسياً، عن الحياة التي انتهت لكثيرين بعد أن هشمتها قسوة ديكتاتوريات

مشاركة :