الكل يتحدث الآن عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والسمنة، والأكياس البلاستيكية. سأتناول موضوعا مختلفا. شهدت الأسابيع الأخيرة شكاوى متكررة وقلقا كبيرا بشأن الوقت الذي يقضيه الناس على هواتفهم الجوالة. الأزمة الظاهرة بلغت مستوى حادا للغاية لدرجة أنه حتى تيم هارفورد، زميلي الرائع وصاحب الإرادة الحديدية، دون جهوده للتخلص من لعنة الجوال. أنا مندهش قليلا لأننا لم نشهد هذه الكارثة الحديثة يتم تناولها في الصور الإخبارية التي تأسر القلوب على نحو يشبه الكارثة البيئية المتمثلة في المشاهد المتكررة لحيوانات الفقمة العالقة في أكياس بلاستيكية. قد تكون هناك بعض الصور المرعبة لأطفال صغار وهم يمسكون بأجهزة هاتف هواوي، أو أطفال يحدقون في أجهزتهم ويغنون "إنهم هنا"، مثل الطفلة الصغيرة أمام التلفزيون في فيلم الرعب "بولترجايست" Poltergeist. أود أن أقول إني لا أرغب في الاعتراض على صحة المخاوف الاجتماعية السليمة التي يثيرها الإفراط في استخدام الهواتف النقالة، لكن بالتأكيد هناك حاجة إلى أن نضع الأمر ضمن منظور معين. نحن لا نتحدث هنا عن وباء التشرد أو وباء الأنفلونزا. في الواقع، يبدو الأمر أشبه بالذعر الأخلاقي الذي شهدته الطبقة المتوسطة عقب اختراع التلفزيون. حان الوقت للدفاع عن الهاتف الذكي الذي هو بالتأكيد واحد من أعظم أجهزة مكافحة الضجر، المفيدة، التي تم اختراعها على الإطلاق. ربما كان اتزاني في مواجهة هذه الأزمة علامة على عمري، كوني ولدت في عصر ما قبل الإنترنت حتى ما قبل عصر الكمبيوتر الشخصي. فكرة امتلاك جهاز كمبيوتر يمكن أن تضعه في جيبك، كانت مادة لأفلام الخيال العلمي، وأسلحة الليزر الموجهة، وشخصية الكابتن كيرك وعبارته الشهيرة إلى ضابط الاتصالات سكوتي: "أعدني إلى الأرض على متن جهاز الليزر"، في أفلام "حرب النجوم". كل شخص نعرفه الآن لديه جهاز كمبيوتر، وخدمة لبث الأفلام والموسيقى، وآيبود، ووكيل إخباري، وهاتف، وكومة من الكتب في جيبه. بالطبع نحن نقضي كثيرا من الوقت عليه. باستثناء تمارين النشاط البدني، يمكن الوصول إلى كل شيء تقريبا تريده عبر الهاتف الذكي. هو كتاب اتصالاتنا، ومادة الترفيه لدينا، وجهاز الإرسال العام إلى العالم. كم عدد الأجهزة الأخرى التي تجعلك تستدير من أجل العودة إلى المنزل لأخذه إذا ما تركته خلفك؟ هذا ليس إدمانا، إنه مجرد تصرف قائم على الحس السليم. يعتز الأمريكيون بأسلحتهم. لكن بالنسبة لي سلاحي هو هاتفي. وأتمنى لو كان هناك فقط تعديل دستوري يكرس حقي في حمل البيانات. غالبا ما يشتكي الناس من أن الوقت الذي نقضيه مع الهاتف يمكن استخدامه بشكل أفضل بكثير - مثل قضاء الوقت مع الأصدقاء والأحباء بدلا من وسائل التواصل الاجتماعي. حسنا، هذا رائع، لكن هل تظن أن قطار الساعة 7:45 صباحا من محطة ووترلو سيكون مكتظا بأصدقائي وأفراد عائلتي؟ وحين أعود إلى بيتي ليلا، هل تظن أن هناك قطارا سريعا باسمي سيكون مليئا بأشخاص أود أن أراهم شخصيا؟ أحب حقيقة أنني أستطيع الخروج من اجتماع مضجر، على الرغم من أنه سيكون من الجميل أن أكون أقل وضوحا في التعبير عن ذلك. يسعدني أن لدى الأطفال الصغار تطبيقا على هواتفهم يسمح لهم بالتعرف على كيفية الوصول إلى أي مكان على وسائل النقل العام. ورغم أني أعترف بأنني لم أحبه كثيرا في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، عندما كان هناك خلل وقرأت ابنتي أن الحافلة التي تقلها إلى مدرسة الأحد لا تعمل في ذلك اليوم، وكان علي أن أستيقظ مبكرا بشكل لا يوصف لتوصيلها، ثم أفاجأ بأن أرى الحافلة ذات الطابقين سالفة الذكر تسير باتجاهي حين أوصلتها. إذا اخترنا أن نعبث بوقتنا على الشاشة بدلا من فعل شيء "مفيد" أكثر، فذلك لأننا نستمتع به أكثر. هذا يذكرني بمسلسل تلفزيوني من أيام طفولتي بعنوان "لماذا لا تطفئ جهاز التلفزيون وتذهب وتفعل شيئا أقل إثارة للملل بدلا من ذلك؟". كانت حياتنا مليئة بالأشياء "الممتعة" التي يجب القيام بها، مثل صنع عصي الجبن بالأناناس. السبب الذي يجعلنا نتجنب أشياء أكثر جدارة هو لأنها ليست في الواقع أقل مللا. هل سبق لك أن صنعت عصا كوكتيل من الجبن والأناناس؟ بالطبع، هناك سلبيات. تجول في مطعم وسترى أشخاصا جالسين على طاولات يتجاهلون بعضهم بعضا ويلعبون بأجهزتهم. يمكن أن يكون من الصعب أن تغلق الهاتف وتنتبه لمن حولك. المارة وهم يمشون يكتبون الرسائل في الوقت الذي يجب عليهم فيه أن ينظروا إلى أين يذهبون؛ المراهقون يقضون وقتا طويلا في تطبيقات الدردشة. ما زلنا نكافح من أجل تحقيق التوازن السلوكي. لكن الهاتف لا يمنع أي شخص من ممارسة الركض، أو مقابلة الأصدقاء، أو قراءة كتاب إن أراد ذلك. هناك سبب وراء قلقنا فقط بشأن استخدام الأشخاص الآخرين للهاتف، ونادرا ما نقلق بشأن الطريقة التي نستخدمه بها نحن أنفسنا. الهواتف المحمولة أجهزة تعمل على تحسين الحياة، وفي أعماقنا، نحن جميعا نعرف ذلك. إذا كنت مقتنعا بهذا الأمر، فإني أحييك.
مشاركة :