سيطر البرود على قطاع الإعلام الرقمي الذي كان في يوم من الأيام ساخنا ومثيرا، وأصبحت الشركات التي تمت الإشادة بها في السابق باعتبارها مستقبل صناعة الأخبار، تستغني الآن عن موظفيها وتخفض التكاليف كي تتجنب الإفلاس. خلال العقد الماضي، ضخ المستثمرون مليارات الدولارات في "بزفيد" و"فوكس ميديا" وغيرهما من شركات الأخبار الرقمية الرائدة، بناء على توقعات بأنها ستصبح شركات كبرى مؤثرة في السوق الناشئة للدعاية والإعلان عبر الإنترنت. إلا أنها لم تنجح. "فيسبوك" و"جوجل" شددتا قبضتهما على بيئة الإعلانات، ما أدى إلى تخفيض القيم المقدرة وفقدان الوظائف عبر شركات النشر الرقمي. بالحكم من خلال التخفيضات التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع، يبدو أن تدهور القطاع آخذ في التسارع. من المقرر أن تقلص شركة بزفيد، إحدى أكبر شركات النشر الرقمي، عدد موظفيها 15 في المائة، وهي أكثر مراحل تسريح الموظفين قسوة في السنوات الأخيرة. الشائعات عن تسريح وشيك للموظفين ظلت تتردد منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما صرح جونه بيريتي، مؤسس شركة بزفيد ورئيسها التنفيذي، لصحيفة "نيويورك تايمز"، بأنه يعتبر الاندماج حلا للمشاكل التي يعانيها قطاعه. في الساعة السادسة والنصف من مساء الأربعاء، أكد بريتي بعض تلك الشائعات في بريد إلكتروني أرسله إلى الموظفين بعنوان "تغييرات صعبة". جاءت هذه الأخبار بعد ساعات فقط من كشف شركة فيريزون أنها ستخفض مرة أخرى عدد الموظفين في وحدة الإعلام التابعة لها بنسبة 7 في المائة. وتضم الوحدة "هافينجتون بوست"، و"ياهو"، و"آي أو إل". مجتمعة، هذا يعني فقدان أكثر من 1000 وظيفة. فشلت بزفيد في بلوغ إيراداتها المستهدفة في عام 2017، لكنها حققت هدفها المتمثل في تحقيق نحو 300 مليون دولار من المبيعات عام 2018، أي بزيادة 15 في المائة عن العام السابق. مع ذلك، الشركة التي أسست في عام 2006، تعد خاسرة. كانت عمليات تسريح الموظفين هذا الأسبوع قيد التنفيذ منذ عدة أشهر. تهدف إدارة "بزفيد"، وفقا لأشخاص مطلعين على خططها، إلى تحقيق أرباح عاجلا وليس آجلا. في رسالة بريد إلكتروني مؤلفة من 400 كلمة إلى الموظفين يوم الخميس، أوضح بيريتي مسألة خفض التكاليف. كتب: "مع الأسف، نمو الإيرادات في حد ذاته لا يكفي لتحقيق النجاح على المدى الطويل. عملية إعادة الهيكلة التي نعكف على تنفيذها ستقلل من تكاليفنا وتحسن من أنموذج التشغيل الخاص بنا حتى نتمكن من الازدهار والتحكم في مصيرنا، دون الحاجة إلى زيادة التمويل مرة أخرى". حتى الآن، جمعت "بزفيد" نحو 500 مليون دولار من مستثمرين من بينهم شركة إن بي سي يونيفيرسال المملوكة لشركة كومكاست، وشركة أندريسن هورويتز. وهي لا ترغب في جمع مزيد من المال، وفقا لأشخاص مطلعين على الخطط. وكان ينظر إلى شركات الأخبار الرقمية الأولى، مثل بزفيد وهوف بوست اللتين مضى عليهما أكثر من عقد من الزمان، باعتبارها صحافة المستقبل، بعدما اكتسحت الإنترنت القطاع وتآكلت عائدات المطبوعات، ما ألحق الضرر بالصحف والمجلات التقليدية. إلا أن "الصخب هدأ" في الوقت الذي زاد فيه احتكار "جوجل" و"فيسبوك" الثنائي من قوة الشركتين في مجال الإعلانات، كما يقول كين دكتور، محلل صناعة الأخبار ومؤلف كتاب "نيوزونوميك" Newsonomics. من المتوقع أن تستحوذ شركتا التكنولوجيا العملاقتان على أكثر من نصف الإنفاق العالمي على الإعلانات بحلول عام 2020، وفقا لشركة إي ماركتر. وتتوقع مجموعة أبحاث السوق أن تنمو الحصة السوقية لهاتين الشركتين 75 في المائة بين عامي 2017 و2020، مقارنة بـ 15 في المائة لمجموعة شركات أطلقت عليها اسم "الأخرى"، تشمل شركات وسائل الإعلام الرقمي. قال روب نورمان، الرئيس التنفيذي الرقمي السابق لدى "جروب إم"، إن شركات وسائل الإعلام الرقمي لم تعد تعتمد على "فيسبوك" وتحتاج إلى إيجاد قنوات توزيع متعددة. وسلكت شركة فايس هذا الطريق في عام 2015 عندما بدأت التعاون مع "إتش بي أو"، إلا أن نورمان يعتقد أن نهج القناة الواحدة المتبع قد يكون ضيقا للغاية. حاولت "بزفيد" العثور على مصادر جديدة للإيرادات، من خلال فتح متجر ألعاب في مانهاتن وبيع أدوات الطهي من خلال متاجر وولمارت، والسعي إلى الاستفادة من المحتوى الذي يلقى رواجا مثل فيديوهات الطهي الخاصة بها "تايستي" Tasty. كذلك أطلقت نظام عضوية مدفوع، يقدم محتوى حصريا وحقيبة كتب مجانية للعملاء. ويقول مسؤولون تنفيذيون في "بزفيد" إن هذه المبادرات آتت ثمارها، إذ نمت مبيعات أعمالها التجارية بأرقام من ثلاث خانات في العام الماضي، وفقا لأشخاص طلبوا عدم ذكر أسمائهم. لكن أخبار الأربعاء تشير إلى أن تلك التحركات ليست كافية. جادل بيريتي بأن دمج أكبر خمس، أو ست شركات وسائل إعلام رقمي من شأنه أن يمنحها مزيدا من النفوذ في التفاوض على حصة أكبر من قيمة الإعلانات التي تتشاركها شركتا التكنولوجيا العملاقتان، "فيسبوك" و"جوجل"، مع شركات النشر. وذكر الأقران، مثل "فوكس ميديا" و"فايس ميديا"، باعتبارهما شريكين منطقيين. بعض المراقبين يوافقون على ذلك ويرون أن تخفيض التكاليف هذا الأسبوع مقدمة محتملة لعقد صفقات. قال دوكتور: "ماذا تفعل قبل أن تدخل في محادثات عمليات الاندماج والاستحواذ؟ تزيد الربحية الإجمالية الخاصة بك". من هذا المنطلق، تأخذ مواقع الأخبار الرقمية صفحة من أسلافها من الصحافة المطبوعة، كما أضاف. "لقد كانت هذه الاستراتيجية الرئيسة لصناعة الصحف. عملية الدمج تمكن من تقليص التكاليف وتوفير المال الذي تنفقه الإدارة العامة لكل شركة، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتجنب الإفلاس عندما لا يمكنك زيادة الإيرادات. هذا النوع من عمليات الاندماج والشراء يكون جيدا لمدة عام أو عامين، لكن بحلول السنة الثالثة، تحتاج إلى وضع استراتيجية جديدة
مشاركة :