حادثة لا يريدوننا أن نعرفها

  • 1/29/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

قصةٌ ذكرت على نحو عابر في سيرة بن هشام، ورسَّخها الباحث حسين غباش في كتابه (مُحمَّد.. رسول النور والسلام). والحدث استثنائي بامتياز، فأن يُسلِم رجل مشهور بداهية العرب على يد ملك (مسيحيّ)، فتلك حادثة على قدر ما فيها من دهشة تبين كم هي معرفة غير المسلم بالإسلام، وكم هي مكانة الرسول مُحمَّد العربي في قلوبهم. والمشهد أن عمرو بن العاص دخل على النجاشي، مُشركاً، يحمل في صدره الشر كله للمسلمين، وخرجَ من قصر الملك المسيحيّ، مُسلماً. سؤالنا ليس من الذي يكتب التاريخ، بل من الذي يستبعد مثل هذه القصص الزاهية عنا ولماذا؟ بعد انتصار المسلمين في معركة الخندق التي استهدفت المدينة المنورة في شوال السنة الخامسة للهجرة - مارس عام 627 للميلاد. بقيادة أبو سفيان بن حرب، هدأت الأوضاع وتحقق للمسلمين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والعسكري في مدينتهم الفاضلة التي اكتملت أركانها بوثيقتها الشهيرة (وثيقة المدينة)، التي وضّحت مبادئ الحكم السياسي للدولة التي حان لها الوقت أن تتوسع بدءاً بعملية تحرير بقية أجزاء الجزيرة العربية من الشرك والمشركين. بعد هزيمة الأحزاب، قرر أحد دهاة الساسة العرب هو عمرو بن العاص، مغادرة مكة والإقامة عند الملك النجاشي في الحبشة. ورد على السائلين من قومه: لماذا المغادرة وفي هذا التوقيت؟ موضحاً لهم قائلاً:(رأيتُ أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر مُحمَّد على قومنا، بقينا عند النجاشي، فإن نكون تحت يديه لأحب إلينا من أن نكون تحت يد مُحمَّد. وإن ظهر قومنا عليه، فلن يأتينا منهم إلاَّ الخير). فوافقوه وجمعوا له هدايا يحبها الملك ورحل في بعضهم إلى الحبشة. عند وصولهم، ذهب عمرو للسلام على الملك الذي تربطه به صداقة قديمة. عند دخوله القصر صادف خروج مندوب الرسول إلى النجاشي واسمه عمرو بن أميَّة الضميري. بعد أن قابل الملك ضيفه مقابلة طيبة مردداً (أهلاً بالصديق القديم)، وتبادل معه الأحاديث، قال عمرو للملك النجاشي:(لقد رأيت رجلاً خرج من عندك، وهو رسول رجلٍ عدو لنا، فاعطنيه لأقتله)!. لم يصدّق الملك ما سمعه وغضب غضباً شديداً. ففوجئ عمرو برد الفعل الشديد للملك وانزعاجه. حاول أن يعتذر له لكن من دون جدوى. ظل الملك غاضباً ومستاءً مما سمعه من صديقه القديم. تحدث النجاشي إلى عمرو، متسائلاً:(أتسألني أن أعطيك رسولَ رجلٍ يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، لقتلهِ؟!). قال عمرو:(أيها الملك، أكذاك هو؟). أي مُحمَّد كموسى. فرد النجاشي:(ويحك يا عمرو. أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وسينتصر على من خالفه، كما انتصر موسى على فرعون وجنوده). فسأل عمرو النجاشي:(أفتبايعني على الإسلام؟). فقال النجاشي:(نعم). فبسط عمرو يده فأخذها النجاشي، وبايعه عمرو بن العاص على الإسلام. عند خروجه أخفى عمرو إسلامه على قومه، وغادروا جميعاً الحبشة. في طريقه إلى المدينة المنورة، التقى عمرو خالد بن الوليد (الفارس والداهية العسكري الأهم الذي دخل مئة معركة وانتصر فيها). فسأله:(إلى أين يا أبا سليمان؟). فرد خالد:(لقد بان الطريق يا عمرو، وعرفتُ أنَّ مُحمَّداً نبيّ، وأنا ذاهب لأسلم). فقال عمرو: (وأنا ما جئت إلاَّ لأسلم). فدخلا معاً، خالد وعمرو، على النبي العربي مُحمَّد، صلى الله عليه وسلم، وأعلنا إسلامهما.

مشاركة :