فاطمة اليمانية "اللعْنَة على الجهلِ المُقَدّس" الفيلسوف الإيطالي جوردانو برونو. *** سألها أحدُ الكُتّاب: فأخبرته بأنّها قرأت عددًا من الروايات المترجمة؛ لكنّها توقفت منذ مدّة، وعادت لقراءة الروايات العربية؛ فوصفَ ذلك بالتخلّف الثقافي، وقال منتقدًا: وتحدث عن نخبة أدباء الغرب، وعدّد لها أسماء أشهر الكتاب الإنجليز، والروس والألمان والفلاسفة، وقبل أنْ يصل لأدباء الصين، قالت له: وأنهَت الحوار متعلّلة بصداعٍ نصفيٍّ حاد! ثم قرأت رواية لكاتب عَرَبي مغمور، صفحة، تلتَها صفحة أخرى، ولم تتوقف عن القراءة حتى وصلت للنهاية؛ بعد أنْ عاشت أحداث الرواية، وتقاسَمت الوجع مع أبطالها، وتناولت القهوة مع نساء القرية، وتسرّبت رائحة الخبز الشهي من نوافذ البيوت الطينية، وشاركت الأمّهات التعليقات البريئة الساذجة! وانتهت سطور الرواية؛ لكنّها لم تنتهِ لديها! بل أخذ عقلها ينسجُ أحداثًا لجزء ثانٍ يكون من تأليفها! فالرواية لامست شيئًا يستطيع عقلها التماهي معه، والانسجام مع بنيته المعرفية، والذوقية! والأهم من ذلك نجاح الكاتب في استثارة عاطفتها كقارئة، وتأثّرها بشخصيات الرواية الواقعية التي كابَدَت أعباء الحياة، وعاشَت وجعَ الإحباط والخذلان، ثمّ نجحت في تخطّي الألم، وفي انتشال نفسها بنفسها! *** (مَن الشاعر؟) كانت المعلمةُ تهدر حصّة كاملة في سؤال الطالبات عن ترجمة الشاعر أو بياناته! اسمه واسم والده، وجدّه، وتاريخ ولادته، ووفاته، وجميع ظروف حياته التي مرّ بها! رغم أنّها تواريخ تقديرية؛ إلّا أنّ المعلمة تعاملت معها كنصوص مقدّسة يجب على الطالبات حفظها واسترجاعها! وكادَ يُغمَى عليها في إحدى الحصص، عندما طلبت من إحدى الطالبات قراءة بيتٍ من أبيات لامية العرب: دَعَسْتُ على غَطْشٍ وبَغْشٍ وصُحْبَتي *** سُعَارٌ وإرزيزٌ، ووجزٌ وأفكَلُ ثمّ سألتَها: فقالت الطالبة، التي -لا شك- فقدت القدرة على التركيز؛ خوفًا منها: فتناولت المعلمة مسطرة خشبية طويلة، وضربت الطالبة في أنحاء متفرقة من جسدها، وعندما بكَت الطالبة؛ زادتها ضربات جديدة، وقالت لها: فردّت عليها الطالبةُ متألمة، ومستنكرة في نفس الوقت: نظَرَت للطالبات، وألقت القلم على السبورة، وقالت غاضبة وهي تغادرُ الفصل: *** (أزمة أصل الخلق) لم تكن الكعكة وباقة الورد، كفيلة بزرع الابتسامة على وجهه؛ فهو نسخة جديدة مختلفة عن النسخة التي غادر فيها البلد مُتّجِهًا؛ للدراسة في أشهر الجامعات الأمريكية... وزاد توتّره حدّة؛ عندما قال أحد أشقّائه لابنه الصغير المشاغب: فشعر باستياء شديد؛ وأخبرهم أنّ كلمة "قرد" ليست إساءة! ويجب على الإنسان ألّا يأخذ الأمر بحساسية مفرطة؛ وذلك لوجود أصل مشترك بين البشر والقرود! ثمّ تحدث عن نظرية الانفجار العظيم، وقال لهم بأنّ عمر الأرض مقدّر بمليارات السنين، وبأنّها تقريبا ظهرت منذ 4,5 مليار سنة! ولم يستوعب معظم أشقّائه، وأولادهم كلامه، واعتبروه هذيانًا! لكنّ أحد أشقّائه فهم المغزى من كلامه، وقال له: فأخرج هاتفه، وفتح صورة تشريح أطراف عدد من الكائنات الحية، توضح بأنّ أطراف الإنسان، وأطراف الديناصور، وأطرف الحيوانات، وأطراف الطيور، وأجنحة الخفافيش؛ جميعها تمتلك نفس التركيبة: سأله شقيقه، وماذا يعني ذلك؟ قال له: أصيب شقيقه بنوبة غضب؛ ولم يتمالك نفسه عندما تيقّنَ أنّ شقيقه ينكر الخلق، ويؤمن بالتطور! وقال له قبل أنْ يخرج: وتبعه بقية أشقّائه، وفرغ المكان إلّا منه ومن والدته المتمددة على الكنبة؛ فاقترب منها، وفتح هاتفه مرّة أخرى، وقال لها: تأمّلت الصورة قليلًا، وأشارت إلى رسمة توضيحية لتشريح جناح الخفاش، وقالت له، وهي بالكاد تفتح عينيها: أغلق هاتفه، ومضى إلى غرفته متحسّرًا ونادمًا؛ لأنه عاد إلى البلد!
مشاركة :