ليس لأحد التدخل في القضاء

  • 1/29/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يعد القضاء من الشؤون التي هي من صميم السلطان الداخلي للدولة – أي دولة- والتي حظر ميثاق الأمم المتحدة في 1945 بصراحة التدخل فيها، ومن مقتضيات ذلك، أنه إذا كانت هناك قضية منظورة أمام القضاء في دولة ما، فإن أي تدخل فيها يعتبر إخلالاً بقاعدة آمرة (لا يجوز الاتفاق على مخالفتها) من قواعد القانون الدولي. تستغل بعض الدول والمنظمات وغيرهما من الأطراف الدولية مسألة حقوق الإنسان، التي هي في نزاع سرمدي مع مبدأ السيادة للتدخل في القضايا المنظورة أمام أقضية الدول، مدفوعةً بأغراض سياسية أو آيديولوجية أو ربما بدوافع موضوعية، وهذا أمر غير مقبول إطلاقاً بصرف النظر عن الدوافع، لأن القضاء هو أجلى مظهر للسيادة أو هو السيادة ذاتها، وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة يحظر التدخل في الشؤون التي هي من صميم السلطان الداخلي للدول كما أشرت آنفاً، فما هي تلك الشؤون إن لم يكن القضاء من بينها؟ أو ما هو أولها إن لم يكن هو أولها؟ بمعنى أوضح، إذا سمحت دولة من الدول بالتدخل في قضائها، فمن غير المقبول أن تتحدث عن السيادة بعد ذلك! أو تُمانع التدخل في شأن آخر من شؤونها الداخلية. وتأكيداً لمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، فقد تضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 الذي اعتمدته في دورتها الـ25 في تشرين الأول (أكتوبر) 1970، أن مراعاة الدول الدقيقة للالتزام القاضي بعدم التدخل في شؤون أي دولة أخرى هو شرط أساس لضمان عيش الأمم معاً في سلام، لأن ممارسة أي شكل من أشكال التدخل أمر لا يقتصر على خرق الميثاق روحاً ونصاً، بل يؤدي كذلك إلى خلق حالات تهدد السلم والأمن الدوليين، وقد عدّ القرار، في تفصيل هذا المبدأ؛ جميع أشكال التدخل في شؤون الدول الداخلية والخارجية «انتهاكاً» للقانون الدولي. إذا كان التدخل في القضاء من قبل السلطات أو المسؤولين على المستوى الوطني مرفوضاً، لتعارضه مع مبدأ استقلال القضاء، فمن باب أولى أن يُرفض بحزم أكبر، أي تدخلٍ في القضاء من قبل أي دولة أخرى أو منظمة أو آلية من الآليات الدولية. وفي سياق التشريعات الوطنية في السعودية، تضمن النظام الأساسي للحكم في المادة 46 منه أن القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، كما نصت المادة (1) من نظام القضاء السعودي على أن «القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء»، وبالتالي فإن مسألة التصدي لأي تدخل في القضاء السعودي ليست مسألة اختيارية تخضع للتقدير بحسب مقتضى الحال، بل هو التزام مُلقى على عاتق الدولة، ومبدأ دستوري لا تملك أي سلطة من سلطاتها الحيدة عنه، وهذا ما يُفسّر شدة اللهجة في خطابات الدولة المضادة للتدخلات من هذا النوع. هذا الكلام ينطبق تماماً على قضية المواطن جمال خاشقجي – رحمه الله – التي تسعى تركيا – مع الأسف – لتصعيدها من جديد للرأي العام العالمي لأغراض سياسية، بعد أن قامت السعودية باتخاذ التدابير القانونية اللازمة تجاهها، فالقضية منظورة أمام القضاء السعودي الذي هو صاحب الاختصاص الأصيل في نظرها، وقد أُجريت التحقيقات مع المتورطين، وتوافرت الدلائل الكافية لتوجيه الاتهامات إلى عددٍ منهم، وتمت إحالتهم إلى المحاكمة، فماذا بعد ذلك؟ ما على تركيا وغيرها من الأطراف التي تسعى لتدويل هذه القضية إلا انتظار ما سيخلص إليه القضاء السعودي في شأنها، ليس هذا فحسب، بل واحترام ما سيخلص إليه، وإلا فإن القانون الدولي والأعراف الدولية تعطي السعودية الحق في اتخاذ أي تدبير مضاد تجاه تركيا وغيرها. * مختص في القانون وحقوق الإنسان.

مشاركة :