أحادية وتعددية

  • 1/30/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. حسن مدن ما من مجتمع من المجتمعات، إلاّ وينطوي على صور متعددة من التعددية. لا يمكن قولبة المجتمع، أي مجتمع، على صورة واحدة من الأحادية، لأن ذلك منافٍ لطبيعة الأشياء ومنطقها. وإن جرت محاولة هذه القولبة، فإنها ستكون نزعاً للمجتمع من طبيعته التي تنطوي على أنماط تفكير ورؤى وتصورات وأذواق مختلفة، من حق أصحابها أن يعيشوها ويمارسوها كما يتراءى لهم، في إطار ما توافق عليه المجتمع عامة من ثوابت تتصل بالحقوق والواجبات التي تنظمها القواعد الدولية المرعيّة. «القولبة»، أي فرض قالب واحد من نمط العيش والتفكير على الناس، وسدّ كل الخيارات في وجوههم لصالح خيار واحد وحيد، هي قرين الشمولية التي عانت منها مجتمعات عديدة وكلّفتها تضحيات مهولة، لأن حمل الناس على قبول هذه الشمولية، لا يمكن أن يتم إلاّ بالقمع في كافة صوره، الزجرية منها والمخملية، فمن لم يذعن طواعية للخيار الوحيد المتاح، يجري تطويعه له بالقسر والقمع، الذي قد يتخذ أكثر الصور دموية وبشاعة. ليست الحكومات الشمولية وحدها، من يفرض هذا التنميط على المجتمعات. فقد تفرضه قوى مجتمعية تتيسر لها سبل الهيمنة على قطاعات معينة من المجتمع تفرض نفسها وصية عليها، أو على المجتمعات كاملة حين تصبح تحت هيمنتها كما فعل تنظيم «داعش» الإرهابي في المناطق التي اجتاحها وأقام عليها «دولته»، فهو لم يكتفِ باحتلال الأراضي إنما سعى، بالقمع الشديد والترهيب، إلى احتلال العقول، ففرض نمطاً كئيباً، لا بل ومتوحشاً من العيش على من وجدوا أنفسهم تحت سلطته. ثمة قوى مجتمعية أو أدوات بأيدي هذه القوى، لا تملك ما ملكه «داعش» من قوة مسلحة، تسعى إلى فرض الصورة التي تريدها على من هم في دائرة نفوذها مستخدمة لأشكال من القوة الرمزية التي تُيسّرها لها منظومة العادات الموروثة أو التعاضديات التقليدية من بنى قبلية أو عشائرية أو عائلية، أو حتى دينية أو مذهبية خاصة حين يشعر القائمون على هذه التعاضديات أن أياديهم طليقة. لذا، فإن الدولة الحديثة هي الضامن للتعددية ونبذ الأحادية، بوصف هذه الدولة منظومة متكاملة ليس فقط من أجهزة الإدارة والتشريعات والأنظمة، وإنما أيضاً بوصفها قوى يدين المجتمع لها بالولاء، كونها المرجعية الأعلى في المجتمع التي لا تعلوها أي مرجعية وضعية أخرى، ولكي تؤدي الدولة مثل هذه المهمة؛ فعليها أن تنطلق في إدارتها للمجتمع من الإقرار بالتعددية، وأن تكون لها حامية، ولا تسمح بأي تعدٍ عليها. madanbahrain@gmail.com

مشاركة :