التعددية الثقافية بديلا لوهم أحادية الثقافة

  • 1/16/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مر‭ ‬العالم‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬كان‭ ‬اخرها‭ ‬ذلك‭ ‬الانهيار‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬للقطب‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وترتب‭ ‬عليه‭ ‬ما‭ ‬ترتب،‭ ‬خرجت‭ ‬بعده‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬عموما‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خصوصا‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الزهو‭ ‬بانتصارها‭ ‬حضاريا‭ ‬وليس‭ ‬عسكريا‭ ‬او‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬فقط‭ ‬وبدأت‭ ‬تخرج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬وانتصار‭ ‬الليبرالية‭ ‬بثقافتها‭ ‬وافكارها‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬تحديدا‭.‬ الا‭ ‬اننا‭ ‬نستطيع‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬والغربي‭ ‬منه‭ ‬خصوصا،‭ ‬قد‭ ‬توصل‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الادعاء‭ ‬سالف‭ ‬الذكر‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬اسمه‭ ‬ثقافة‭ ‬واحدة‭  ‬ذات‭ ‬اصول‭ ‬عريقة‭ ‬وما‭ ‬عداها‭ ‬فهم‭ ‬فوضويين‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬اعادة‭ ‬ادماج‭ ‬في‭ ‬ثقافتهم‭ ‬المستنيرة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نشأت‭ ‬الدعوات‭ ‬إلى‭ ‬احترام‭ ‬مبادئ‭: ‬‮«‬تساوي‭ ‬جميع‭ ‬الثقافات‮»‬‭ ‬و«حق‭ ‬الاختلاف‭ ‬الثقافي‮»‬‭ ‬و«التَّعَدُّدِيَّـة‭ ‬الثَّقَـافِية‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬نشأت‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الفكر‭ ‬الديموقراطي‭ ‬المعاصر‭ ‬ذاته‭. ‬ ولم‭ ‬تلبث‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬أن‭ ‬تطورت‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا،‭ ‬وبدأت‭ ‬أفكارها‭ ‬في‭ ‬الانتشار،‭ ‬وظهرت‭ ‬اولى‭ ‬ثمارها‭ ‬متمثلاً‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الثقافات،‭ ‬وتنمية‭ ‬العلاقات‭ ‬الثَّقَـافِية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭. ‬مِمَّـا‭ ‬جعل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬يقبل‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الخطابي،‭ ‬أن‭ ‬الثقافات‭ ‬البشرية‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭  ‬تتساوى‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭. ‬وأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬مجال‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬ثقافات‭ ‬بشرية‭ ‬متفوقة‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬فضاءً‭ ‬للنمو‭ ‬والتفتح‭ ‬والازدهار،‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬حضارة‭ ‬إنسانية‭ ‬يٌفترَض‭ ‬أنها‭ ‬شاملة‭ ‬لمكوِّنات‭ ‬مُتعدِّدة،‭ ‬ورحبة‭ ‬للجميع‭. ‬فالتعددية‭ ‬الثقافية‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬حوار‭ ‬بين‭ ‬هويات‭ ‬ثقافية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ابدا‭  ‬إهمال‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬الهويات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬وحدة،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬لإبراز‭ ‬التعدد‭ ‬كسمة‭ ‬اساسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬فمن‭ ‬شأن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يوجد‭ ‬حالة‭ ‬مستدامة‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الثقافات،‭ ‬وإيمان‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬غالبية‭ ‬أعضاء‭ ‬المجتمع‭ ‬بتعدد‭ ‬ثقافات‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬هرمية‭ ‬محددة‭ ‬لثقافة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ثقافات‭ ‬اخرى‭. ‬مع‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالفروق‭ ‬الموجودة‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭. ‬لقد‭ ‬صارت‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافية،‭ ‬ومنها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالحرية‭ ‬الثَّقَـافِية‭ ‬للجميع،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التراث‭  ‬الثقافي‭ ‬المشترك‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء،‭  ‬صارت‭ ‬تحتل‭ ‬بالتدريج‭ ‬مكانة‭ ‬أوسع‭  ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬أغلب‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعاصرة‭ ‬ستكون‭ ‬مجتمعات‭ ‬متعددة‭ ‬الثقافات‭. ‬وسيتحول‭ ‬السؤال‭ ‬من‭ ‬‮«‬هل‭ ‬يجب‭ ‬قبول‭ ‬التَّعَددِيَّـة‭ ‬الثقافية‭ ‬أم‭ ‬رفضها‮»‬،‭ ‬إلى‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬التسليم‭ ‬بمبدأ‭ ‬التَّعَددِيَّـة‭ ‬الثقافية،‭ ‬فإلى‭ ‬أية‭ ‬حدود؟‮»‬‭.‬ إن‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الكيانات‭ ‬والثقافات‭ ‬البشرية‭ ‬المتواجدة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬واقع‭ ‬حقيقي‭ ‬يصعب‭ ‬غَضُّ‭ ‬الطرف‭ ‬عنه‭. ‬وواقِع‭ ‬حقيقي‭ ‬كذلك،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اختلافات‭ ‬فعلية،‭  ‬نسبية‭ ‬ومتفاوتة‭ ‬في‭ ‬الحِدَّة‭ ‬والدرجة،‭ ‬توجد‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬المجموعات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬علاقات‭ ‬القرابة‭ ‬أو‭ ‬الجوار،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬نفس‭  ‬الكيان‭ ‬الثقافي‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬يُفترض‭ ‬أنه‭ ‬منسجم‭ ‬ومتجانس‭. ‬ وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء‭ ‬ضرورة‭ ‬الاصطفاف‭ ‬خلف‭ ‬ثقافة‭ ‬متسامحة‭ ‬تؤمن‭ ‬بالتعددية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬اولاً‭ ‬كمدخل‭ ‬لتبنيها‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬دون‭ ‬افراط‭ ‬في‭ ‬التفاؤل‭ ‬بنتائجها‭ ‬على‭ ‬الامد‭ ‬القصير،‭ ‬أو‭ ‬تفريط‭ ‬في‭ ‬خصوصية‭ ‬كل‭ ‬هوية‭ ‬واحتفاظها‭ ‬بسماتها‭ ‬المميزة‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬أية‭ ‬هوية‭ ‬اخرى‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬من‭ ‬التسامح‭ ‬والقبول‭ ‬بالاختلاف‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوعه‭ ‬وحدته‭ ‬واتجاهه‭. ‬ { خبير‭ ‬ومحلل‭ ‬سياسي‭ ‬–‭ ‬ مركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات‭  ‬

مشاركة :