يوسف أبو لوز نصيحة من ثلاثة باحثين في علم الاجتماع والنفس، اجتمعوا على تأليف كتاب واحد محوره «الرائحة».. أن لا تشتري العطور الرخيصة، فالعطر الرخيص، كما يبدو من الكتاب، مثل الصديق المزيف، أو المرأة المزيفة.. «.. قد يطلق العطر في البداية رائحة طيبة، لكنه سرعان ما يتحول إلى إصدار رائحة كريهة.. منفرة في ما بعد..». وعلى الهامش، ليت أن المترجم استخدم عبارة «نشر رائحة» بدلاً من «إصدار رائحة»، ولكن ماذا عن الرائحة المشتركة بين الرضيع الطفل وأمه.. يخبرنا الباحث بيت فيرون (1939- 1998) كبير مؤلفي كتاب «الرائحة»، منشورات كلمة (أبوظبي- 2010) أن الرضع قلما يبكون عندما يتصادف أن تطرح إلى جانبهم في مراقدهم ثياب أمهاتهم المشبعة بالعرق، وأكثر من ذلك، يستطيع الرضيع التعرف إلى أمه عن طريق الرائحة. عطر الطفل.. رائحة أمه، وإذا كان العطر الجيد يطلق، أو «ينشر» ثلاث روائح متتابعة، فإن عطر الأم فيه ثلاثون رائحة، وعطر تراب بلادك فيه أجمل الروائح. لا تحتاج إلى عالم نفس أو عالم اجتماع لكي تتعرف إلى أمك أو أبيك أو بلادك.. يكفيك الثوب أو المنديل أو الشجرة أو حفنة من رمل. يكفيك الهواء والماء والبحر والجري في الهواء الطلق:.. شهيق.. زفير، شهيق، زفير، في الشهيق تسحب هواء بلادك إلى آخر رئتيك، وفي الزفير تطلق الهواء إلى الحرية من قفص الصدر، والأرجح أن الإنسان في حدّ ذاته وفي حدودها هو قفص.. قفص بشري متحرك، وفي القفص الصدري قلبه وحبه وأشواقه، وأحلامه، وتأملاته.. وإذا أردت، فنحن أقفاص. نحن طيور محشورة في أقفاص، لكننا نركض، ونطير، ونجري.. وفي كل هذه الاحتفالية السريعة لا ينتبه المرء إلى الرائحة الملكية المحيطة به:.. رائحة الغيوم مثلاً، رائحة الهواء الكوني المجاني، رائحة الرمل، ورائحة الشجرة الصديقة الرقيقة الواقفة طول عمرها باعتدال وحشمة وخشوع وكبرياء. تنشر الأشجار، الشبيهات بالأمهات أكثر رائحة قريبة من رائحة الرضيع، والشجرة إن كانت دائمة الخضرة أو خريفية متساقطة الورق ضعيفة وأغصانها تشبه الأيدي المرتفعة إلى السماء، فهي دائماً حارسة، وأمينة، واقفة معطرة. .. لا تشتر أبداً ما هو رخيص لا في العطر، ولا في الرجل، ولا في المرأة، ولا حتى في الطعام. تعرف دائماً إلى رائحة أمك وأبيك، وعندما يتقدم بك العمر احفظ في قلبك عطر بلادك. yabolouz@gmail.com
مشاركة :