الإنسانُ بطَبعهِ، لَا يُحبّ التَّوحُّد مَع نَفسه أَو العُزلَة، لأنَّه يَشعر بالوحشَة، وفِي الطَّرَف الآخَر هو لَا يُحبّ الانغمَاس فِي ثَنَايَا المُجتمَع؛ ومُخَالطة النَّاس، لذَلك كَانَت القِرَاءَة هي الحَلّ، وفِي ذَلك يَقول الفَيلسوف «سي. إس. لويس»: (نَقرَأ لنَعرف أنَّنا لَسنَا لوحدنَا)..! لَاحَظَ -عَزيزي القَارئ- بأَنَّك عِندَما تُفحِّط؛ تُزعج الآخَرين. وعِندَما تَبني مَصنعاً، تُلوِّث البيئَة. وعِندَمَا تَعمل جَزّاراً، تَذبح البَهَائِم. وعِندَما تَكون مُصَارعاً، تَتلذَّذ بسَحق الآخَرين. ولَكن عِندَمَا تَقرأ، فأنتَ لَا تُؤذي أَحداً. وقَد لَمسَ هَذا المَعنَى «فولتير» عِندَمَا قَال: (دَعونَا نَقرَأ ونَرقُص؛ فهَذه هِي التَّسليَة؛ التي لَن تَتسبَّب بأَي ضَرَرٍ للعَالَم)..! بالنَّسبَةِ لِي، أَعتَبر شَيخنا «عبَّاس محمود العقَّاد»؛ مِن عَمَالقة البَشَر، فِي القِرَاءَة والكِتَابَة، لأنَّه تَزوَّج القِرَاءَة، وأَنجَب الكِتَابَة، وتَعبيره عَن القِرَاءَة؛ يُعتبر مِن أَشهَر التَّعابير التي يَحفظهَا النَّاس، لِذَلك أَدعُوكم لتَدبُّر عِبَارته التي يَقولُ فِيهَا: (القِرَاءَة وَحدهَا، هي التي تُعطِي الإنسَان الوَاحِد؛ أَكثَر مِن حَياةٍ وَاحِدَة؛ لأنَّها تُزيد هَذه الحَيَاة عُمقًا، وإنْ كَانَت لَا تُطيلهَا بمقدَار الحِسَاب)..! أَكثَر مِن ذَلك، نَرَى -فِي الغَالب- أَنَّ ذِكريَات الطّفولَة تَرسَخُ فِي الذَّاكِرَة، ومَلَامِح الكِتَاب الذي أَحبَبنَاه لَا يُمكن أَنْ تُمحَى مِن ذَوَاتِنَا، لِذَلك دَائِماً يَعقد النَّاس المُقَارنَات والمُوَازنَات؛ بَين ذِكريَات الطّفولَة، وصَفحَات الكِتَاب الذي قَرأنَاه، أَيّهمَا أَقوَى رسُوخاً وتَأثيراً؟.. هَذا السُّؤَال أَجَاب عَنه الفَيلسوف «مارسيل بروست» حِينَ قَال: (رُبَّمَا لَا يُوجد أَيَّام عشنَاهَا فِي طفُولتنَا، بكُلِّ مَا للكَلِمَةِ مِن مَعنَى، كتِلك التي عِشنَاهَا مَع كِتَابِنَا المُفضَّل)..! وكُلٌّ مِنَّا يُريد أَنْ يَكون ذَكيًّا.. حَسنًا، إنَّ الأَمر بَسيط، فَقَط عَليكَ أَنْ تَقرَأ عَشرَة كُتب.. ولَكن مَا هي تِلك الكُتب العَشرَة؟، هُنَا سأَكُون «نَذلاً» مَعكم ولَن أُجيب، بَل سأُحيلكم إلَى أَحَد الفَلَاسِفَة، حَيثُ قَال: (لتُصبِح ذَكيًّا، تَحتَاج لقِرَاءة عَشرة كُتب فَقَط؛ لَكن للعثُور عَلَى تِلك العَشرَة، فأنتَ بحَاجةٍ لقِرَاءَة آلَاف الكُتب)..! والنَّاس فِي الغَالِب تَعتَمد عَلَى الآخَرين، وأَحيَاناً تَعتَمد عَلَى المَال، وأَحيَاناً تَعتَمد عَلَى الشَّهَادَات، أَمَّا أَنَا، فمَع مرُور الوَقت؛ تَيقّنتُ أَنَّ الاعتِمَاد الحَقيقي؛ يَجب أَن يَكون عَلَى الله، ثُمَّ عَلَى نَفسِي وعَلى كُتبي، ولقَد صَدقَ مَن قَال: (يُمكن الاعتمَاد عَلَى الكُتب. فهي تَبقَى صَامِتَة؛ عِندَما يَكون ذَلك ضَروريًّا، وتَتحدَّث إليكَ، وتَكشِف العَالَم كُلّه عِندَ الحَاجَة)..! حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟! بَقي القَول: تَعلُّم القِرَاءَة -فِي نَظري-، هو كمَن يَملك مَفَاتيح لكنُوز، وكُلّ مُفتَاح يُدْخِله إلَى غُرفَة مَحشوَّة بالمُجوهرَات والذَّهب، والقِرَاءَة كَذلك حِين تَتعلّمها، تُصبح مَفَاتيح لفَتح مَنَافِذ فِي رَأسك، ولقَد صَدقَ الرِّوَائِي الكَبير «فيكتور هوجو» حِينَ قَال: (أَنْ تَتعلَّم القِرَاءَة، كَأن تَتعلَّم إشعَال النَّار، فكُلِّ كَلِمَة ستَكون هي شَرَارَة)..!!
مشاركة :