عن تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، اعتبرت الكاتبة لارا سيلغمان، في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أن روسيا تخرج صانعة قرار بلا منافس، والأكراد يواجهون تحدياً وجودياً، وإيران تعزز مواقعها في بلد بعيد عن حدودها. وقالت المحللة السياسية إن هذه بعض النتائج غير المقصودة للقرار المتسرع الذي اتخذه ترامب الشهر الماضي، مما أثار معارضة واسعة في واشنطن ودفع وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى الرحيل، وكذلك المبعوث لدى التحالف الدولي بريت ماكغورماك. وأضافت أنه على رغم أن الانسحاب لا يجري بشكل واسع وشامل، ولن يكون سريعاً بالطريقة التي تخيلها ترامب، فإن القرار أحدث فعلاً تغييراً في التحالفات والمصالح في بلد أبتلي بسنوات من الحرب الأهلية والتنافس الإقليمي. وقال المحلل في المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية جون آلترمان: “من خلال القول إننا نغادر من دون شروط وفوراً، يسارع الجميع إلى عقد صفقاته. تناقصت المصالح الأمريكية وقدرة الولايات المتحدة على التأثير بين عشية وضحاها من مستوى معقول إلى صفر“. وترى الزميلة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، دانا سترول، أن لدى موسكو مصلحة قوية في الحفاظ على النفوذ في سوريا، من منظورين اقتصادي وسياسي، وسوريا طالما كانت سوقاً مغرية لقطاعي الدفاع والاستخبارات، اللذين يدعمان بشار الأسد. لكن المراقبين قلقون من أن يؤدي تعزيز الدور الروسي، وعبره الدور الإيراني، في سوريا، إلى زيادة نفوذ موسكو في المنطقة، بما يمكن بشار الأسد من استعادة كل الصلاحيات التي كانت لديه قبل الحرب الأهلية. ولاحظت الكاتبة أنه منذ الإعلان عن الانسحاب الأمريكي، باتت روسيا الوسيط بين نظام الأسد وتركيا، وقوات سوريا الديمقراطية الحليفة للولايات المتحدة في الحرب على تنظيم داعش، حول مصير منطقة شرق الفرات. وتتألف قوات سوريا الديمقراطية في معظمها من مقاتلين أكراد، تنظر إليهم أنقرة على أنهم امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا. كما تضم قوات سوريا الديمقراطية مقاتلين من السنة. وأشارت إلى أن مصير الأكراد أصبح في الميزان، وعندما تنسحب القوات الأمريكية، فإن الأكراد سيكونون أكثر عرضة لهجمات انطلاقاً من الحدود التركية. وبحسب سترول فإن القوات الكردية فقدت أي ورقة لعب كانت تملكها في المفاوضات مع نظام الأسد في شأن المنطقة. ورأت أن “الأكراد هم الآن في وضع يمثل خطراً على وجودهم“. وما يزيد في تعميق أزمة الأكراد، اعتزام تركيا إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 ميلاً بين تركيا والأكراد السوريين في شمال شرق البلاد. ويخشى المراقبون أن تسفر خطوة كهذه عن قضم تركيا لجزء من الأراضي السورية، وأن تضع بلدات حدودية مثل كوباني تحت رحمة الأتراك. والعام الماضي غزت تركيا جيب عفرين الكردي وهي تهدد الآن بمهاجمة منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية على مسافة 20 ميلاً إلى الشرق. وخوفاً من هجوم تركي شامل، طلب الأكراد من روسيا ودمشق الحماية. وقالت سترول: “لقد قدمنا لروسيا فرصة ثمينة كي تلعب دور البطل“. وفي رأي الكاتبة، فإن بوتين يدفع في اتجاه بديل عن احتلال تركي لأراضٍ سورية. وخلال اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الشهر، ضغط بوتين من أجل إحياء معاهدة أمنية بين تركيا وسوريا كان البلدان وقعا عليها عام 1998. إن هدف بوتين هو جعل الأسد مسؤولاً عن منطقة الحدود. والسبت اشترط النظام السوري انسحاب القوات التركية من سوريا قبل إحياء المعاهدة. وبحسب سترول فإن التعامل مع روسيا والأسد هو الأفضل بين خيارين سيئين. وأوضحت أنه “بين العمليات التركية الوشيكة في الجيوب الكردية، أو إبرام صفقة مع النظام السوري، فإن الأكراد سيختارون الأسد”.
مشاركة :