في مقابلة في قصره شمال أبحر بمحافظة جدة غرب السعودية، تحدث الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات السعودية السابق وأمين مجلس الأمن الوطني والسفير الأشهر للرياض لدى واشنطن لـ«إندبندنت عربية» لأكثر من 14 ساعة.اختيار الأمير محمد بن سلمان ضمانة لـ20 عامًابدأ الأمير اللقاء بحديثه عن التغيرات الحالية في السعودية، وعن اختيار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، ويرى الأمير الدبلوماسي ورجل الاستخبارات، ومستشار وأمين مجلس الأمن الوطني أن هذا الفعل ضمانة لاستقرار السعودية لما يزيد على 20 سنة مقبلة.في السعودية الحكومة تقود التغيير! عادة الأمير بندر إثارة الجدل، ويقول إن السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي تأخذ الحكومة فيه بزمام المبادرة للتغيير في ظل مقاومة شعبية، وهو ما قد يثير جدلاً ويقول: «منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى اليوم، تعتبر السعودية البلد الوحيد حيث تريد الدولة أن تتقدم بينما ترفض الغالبية ذلك، والمثال على ذلك، (تعليم البنات) الذي كان ممنوعًا في السعودية، الدولة كانت تريد فتح مدارس لتعليم البنات ولم يظهر المواطنون حماسًا لهذا الشيء».إيران والشاه والخميني بدأ الأمير بندر حديثه بعد السعودية الجديدة عن إيران، وحين هم بالتفصيل استخدم المثل الشهير: «عدو عاقل خير من صديق جاهل»، ويرى أن آخر حكام إيران قبل الثورة الخمينية عام 1979 وهو شاه إيران محمد رضا بهلوي عدو عاقل، وأن الجهل هو ما يمكن أن يتصف به النظام الحالي في طهران. ويقول: «شاه إيران لم يكن صديقًا، كان لديه طموحات ويرى نفسه شرطي المنطقة لكنه كان عاقلاً، والمثال على ذلك، أنه حين طالب بضم البحرين إلى حكمه، جرت اتصالات بينه وبين الملك فيصل، الذي قال له بأنه لا مصلحة لشاه إيران بمعاداة جميع العرب، كيف يفكر بأخذ البحرين؟ ونصحه بأن يغض النظر عن الموضوع. وكان رأي الشاه بأنه إن غض النظر وتراجع سيصبح في مأزق أمام شعبه، فاقترح عليه الملك فيصل (نطلب من الأمم المتحدة إرسال فريق إلى البحرين لعمل استفتاء حول ما إن كان البحرينيون يرغبون بأن يصبحوا من الفرس أو العرب، ونحن نعرف الإجابة مسبقًا)، وأعلنت الأمم المتحدة النتيجة وقبل بها شاه إيران».نصيحة الملك فيصل للشاه العلاقة بين إيران والسعودية، في عهد الشاه وقبل عهد الخميني، لم تكن علاقة شد وجذب، ومناكفات سياسية فحسب، بل كان لها جانب إيجابي، وود ومراسلات ونصائح، ويسرد الأمير بندر قصة حدثت بين ملك السعودية والشاه محمد رضا بهلوي يقول: «وقبل الحديث عن إيران والسعودية، هناك حادثة مهمة نذكرها عن مراسلات بين شاه إيران والملك فيصل، ووقتها بدأ الشاه ثورة بيضاء لتحديث إيران فكريًا واجتماعيًا عام 1963م، وكان من ضمن أفكار ثورته منع الحجاب، وهناك فرق بين أن تقول (ممنوع) أو(لكِ الخيار)، عندها كتب الشاه للملك فيصل ينصحه كصديق للسعودية ويرجوه تحويل البلد لنمط غربي بسرعة ليحافظ على الحكم محاكاة لثورته البيضاء، وردَّ عليه الملك فيصل بالشكر واعتبرها نصيحة صديق يريد مصلحة السعودية، وقال له: (أريد أن ألفت جلالتكم أنكم شاه إيران لا شاه فرنسا أو بريطانيا وشعبكم أغلبيته من المسلمين، واستقبال الضيوف الأجانب في نهار رمضان وحفلات الغداء لا مبرر لها، ولهذا أنصحكم أن تحافظوا على إيران)». ويوضح السياسي السعودي والسفير الأشهر ومهندس العلاقات السعودية الأمريكية لأكثر من ربع قرن قبل السفارة وبعدها، كيف تعاملت الرياض مع صعود روح الله الخميني للحكم، يقول: «كنا ننتظر كيف ستتطور الأمور هناك، لكن في الوقت ذاته كانت السعودية أول من أرسل تهنئة للخميني، وأرسل الملك خالد بن عبدالعزيز وقتها مبعوثًا يهنئ الإدارة الإيرانية الجديدة ونظام الحكم فيها. وبعد فترة، بدأت التصفيات الجماعية للمثقفين والسياسيين وقادة الجيش، وخرجت آلية ولاية الفقيه وأصبح الحكم في يد شخص واحد هو المرشد الأعلى (الولي الفقيه)، وصحيح أن هناك انتخابات ورئاسة جمهورية، لكن لا قيمة لها».لكن السؤال كان: لماذا العداء بين السعودية وإيران؟ كانت الإجابة بقصة: «بدأ الخميني بالتصريحات العدائية وبمهاجمة العراق، ولسخرية القدر أنه كان هناك في بغداد تحت الإقامة الجبرية في عهد أحمد حسن البكر. هناك مصادفات غريبة والجاهل عدو نفسه. الشاه طلب من صدام حسين حيث كان هو من يمسك بزمام الأمور في العراق، طرد الخميني الذي كان يقيم لديهم وإلا سيأخذ شط العرب، وذلك بسبب تحريضه وإصداره لأشرطة (كاسيت) تستنهض الشيعة وتحرض عليه، الفكرة لم تعجب صدام حسين وقال بأنه قادر على إيقاف هذه الأشرطة، فرفض الشاه، وقام صدام بالاستجابة لرغبته بإخراج الخميني الذي اتجه إلى فرنسا - ذكر شاه إيران في مذكراته أنه حل مع صدام لاحقًا في قمة أوبك بالجزائر كل الأمور المتعلقة بشط العرب عام 1975-، وهناك فتح الخميني بابه للإعلام الغربي وبدأ يلتقي بالمستشرقين الغربيين والأحزاب الإيرانية المختلفة، الحزب الشيوعي والليبرالي وغيرها، واجتمعت الأحزاب الإيرانية على كره الشاه، وهنا بيت القصيد وبداية الإشكالية السعودية-الإيرانية، بدأت حدة الهجوم اللفظي والشتائم». يكمل الأمير: «نعرف جميعًا أن صدام حسين حاكم مجرم وسفاح بمعنى الكلمة، لكن الخميني أعلن في خطاب له أنه سيحرر العراق أولاً، ثم يتوجه لتحرير دول الخليج بالقوة.. ولم يكن أمام القيادة السعودية سوى خيارين: السيئ والأسوأ، فاختارت السيئ، وتفسير القيادة السعودية للخلاف الذي يشعله الخميني أنه ليس خلافًا سنيًا-شيعيًا أو سياسيًا، بل خلافًا تاريخيًا فارسيًا - عربيًا وذا نظرة عنصرية من الخميني، ومثال بسيط على ذلك، أنه في الحرب العراقية الإيرانية 80% من الجيش العراقي كانوا من الشيعة وكانوا يحاربون ضد إيران، لأنهم لم يكونوا يحاربون (ولاية الفقيه) أو إيران الشيعية، بل الفارسية وكان صدام حسين يقنعهم بذلك».
مشاركة :